للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعندنا أن هذه القصيدة هي فريدة الديوان ولو لم يكن الدكتور أبو شادي قد تربى تربية علمية وحذق البكتريولوجية وقرن إلى ذلك نظرا شعريا وشاعرية فياضة لما أتيح لنا أن نقرأ هذه القصيدة. ومن أقواله فيها ردا على فقيه يعترض عليه بأن علم الجراثيم لا يتفق مع الشعر والفن (فدعني إذن والعلم فالفن طيه) وعندنا أن هذه نظرة صحيحة إلى علاقة الشعر بالعلم فإن العلماء كشفوا لنا عن عجائب وغرائب إذا اتخذ منها الشاعر مصدراً

للوحي أتانا بالمعجزات. العلم لا يناقض الشعر بل هو معوان له لأنه يوسع الخيال ويزيد ثروته ويجعل الشعر أوثق اتصالا بالحياة العصرية التي تقوم على ركنين من العلم النظري والعلم العلمي:

ومن كان هذا طبعه وشعوره ... فلا حسه يخبو ولا عينه تكرى

تحرر من قيد الجسوم وروحه ... ترى الشعر فيما أنت تحسبه قفرا

ويا ربما هذي الجراثيم قد حكت ... بروعتها الروض المجمل لا العفرا

ولولا حجى الفنان ما كان فارق ... وساوى رهيف السمع من يشتكي الوقرا

وما رجعت إلا المظاهر وحدها ... ولم ندر من خافي بدائعها أمرا!)

وقد ختم الشاعر قصيدته هذه ببيتين في نهايتهما تشبيه مبتكر. قال يصف عقل الذي كان يناقشه في موضوع المكروبات والشعر وهو يعرض عن كل حجة وبرهان:

ومن نكد الدنيا أناس تصدروا ... لفلسفة في النقد تركبهم وعرا

نواظرهم شبه الزجاج ومثلها ... عقول لهم إن نوقشت محقت كسرا

أما قصيدته (حديقة النحل) فلا يستطيع نظمها إلا من كان مثله قد عني بدرس حياة النحل نظرا وعملا وعرف ما في تلك المملكة من أسرار الجمال والنظام. وإليك بعض أبياتها وهي طويلة:

لا تصغرن إذا حكمت صغيرها ... فلربما ملكت مال كبار

خلقت من الإتقان في تكوينها ... وتسلطت بجهادها الجبار

هي كلها للجمع تدأب لا تني ... لا سخرة للسيد الأمار

قل للمصغر قدرها لغروره ... من أنت في الأقدار والأوطار

<<  <  ج: ص:  >  >>