للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب في اللغة العربية، غير انهم لم يصرحوا فيما اعلم بأن الألفاظ تكونت من الأصوات البسيطة بل صرحوا بأنها من وضع الإنسان مباشرة لا من وضع غيره.

وقد استنكر الجامدون هذا المذهب واعترضوا عليه ذاهبين إلى أن الإحاطة بجملة المعاني الموضوع لها غير مقدور للبشر. فيقال لهم أن المعاني لم تعلم دفعة واحدة، وكذلك الألفاظ

توضع دفعة واحدة، بل كلما تجددت المعاني، وعلا إدراك الإنسان، وتصور الأمور الدقيقة، اضطر لأحداث الألفاظ متبعاً في ذلك التدريج، لان الطفرة محال.

هذا ما كان من أمر الوضع والواضع. وهناك نواميس طبيعية عامة مثل ناموس (التحول) وناموس (بقاء الأصلح) فهل اللغة خاضعة لها وهي جارية على سنتها جريان سائر الأشياء، وهل عرف العرب ذلك كما عرفه الإفرنج؟ فنجيب بنعم عن الجميع، وإليك البيان:

اللغة كالأخلاق أو ككل مميزات الإنسان، خاضعة للقوى العاملة فيه فيصح من بعض الوجوه أن نقول أنها كائن حي كالإنسان، ولحياته أطوار كأطوار حياة الإنسان، فما كان ليسمع المقيم في إحياء عرب الجاهلية من الألفاظ غالباً إلا في أمثال السباسب والبسابس والغيلان والذعلبة والكوماء والفنيق والبيداء والفيفاء والأجرد وما أشبه ذلك وما كانت لتمر الألفاظ السهلة الجزلة المعبرة عن المعاني العالية إلا شذاناً. كل ذلك لتأثير محيطهم في أوضاعهم وأخلاقهم وظواهرهم الطبيعية

<<  <  ج: ص:  >  >>