للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب ونستغرب فيهم ما دعاهم إلى نبذها هذا النبذ الشائن حتى خلت منها آدابنا بل فقدنا فيها - وأتجاسر أن أصرح - أكبر سند ومعوان على تقدمنا الأدبي، ورقينا في فن الشعر، بل أصدق مؤيد لهذا الرقي والفلاح، وأكبر ظننا أنها من أهم العوامل على رذل الغربيين لشعرنا ونظمنا فيه. والكثير من الحقائق تؤيده: إذ ليس هذا الفن الراقي مقتصراً على أن يكون آلة أغراض وغايات. ووسيلة استعطاف واسترحام بل ضراعة. إذ لو أسعده الحظ بمنحه هذه المنحة فيه. لارتقي ارتقاء سامياً ولكان على غير ما هو عليه اليوم، إذ من خصائصها الراهنة أن تبتدع فيه عوامل وعواطف وأهواء وأجواء يقظة، تناجز كل المناجزة ما تعرفه فيما لدينا من قديمه وشاهدنا على ذلك الشعر الغربي، الغني بما يحوطه من ميادين واسعة رحبة يجول فيها، مبدعاً متفنناً. وهذه الناحية التي ألمعنا إليها هذا التلميح الطويل ما هي سوى: فن تأليف الملاحم والقصص التمثيلية. ولو تتبعنا نهضتنا فيه وتأثرناها خطوة خطوة لوجدناكم أثر في مضمار الشعر العربي العصري، ولعلمنا حقيقة ما مبلغ نفوذه ووطأته عليه. وأني أقول غير وجل ولا واجف عنفاً ولا لوما، أنه من أهم أسباب انتعاش الشعر ويقظته من غفلته بل العامل الرئيسي في الانتقاض على الطرق القديمة البائرة، وهدم الصروح المتهدمة والميل إلى الابتكار والتفنن. وأنا منذ ما سالمناه ورضينا بصحبته واستكنا إلى قوانينه كانت نهضة مباركة، وخطوة جديدة سعيدة إلى الأمام. ومع أننا لسنا نرى في بوادر نضجها ما يحقق منها اليوم رجاء بعض آمالنا المتواضعة - مع إقرارنا ببعدنا الشاسع عن أمثال كورني وراسين وموليير بل لاروستان الابن وجان كوكتو - فأنا نبصر شعاعا منير من فجر ذلك اليوم المتلألئ ونرى جرثومة ذلك الصرح الفخم العتيد!.

ويجب ألا نغفل قط أن نشوء هذه الرغبة صدر من موطن الخيال ومهبط الوحي، أعني سورية ولبنان، فالآداب العربية أنعم عليها بنهضتها الحاضرة أبناء تلك البلاد فالمقتضي تطوراتها يتعرف في الحال أنه لم يتأت لها نهضة ما في جميع أطوار حياتها، منذ استيلاء عمر على القديس إلى يومنا ذا. إلا كان للشام

<<  <  ج: ص:  >  >>