للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفنون الفتانة.

هدانا إلى هذه التوطئة ما خالجنا من عواطف عنيفة أثر وقوع نسخة إلينا من الرواية التمثيلية التي شاءت مخيلة (أمير الشعراء!) أحمد شوقي بك، أن تتحف بها العربية، والتي

دلت دلالة ظاهرة أن مبدعها، يهمه رقي الآداب عن نهج فنون، هي منها بمثابة الجوهر من العرض وعلمنا حقاً أننا عكفنا جداً على التوغل في تذليل الصعاب، وإقامة رواسخ البنيان على أجود الأصول، في حين أيقنا أن إبداع شاعرنا في جوانبها وغمراتها كفيل له بنيل الغفران، وأعذاره عن تباطؤه وجموده في صددها إلى حيننا هذا.

قرأناها، فخلتنا حتى أوهمتنا أو كادت. أننا نمر قصة من روائع القصص التمثيلية الغربية. ولولا تلك الروح الشرقية - التي لا مرد لسؤددها وتعنتها - تعبث بسطرها، لجزمنا بذلك: وقد كشف لنا هذه القصة عن نفسية شوقي الحقيقية وشاعريته المستترة. نقول مستترة لأن شاعرنا (أبو (أمير الشعراء) على رواية أدبائنا!) لم تظهر شاعريته من قبل، حيث يلذ له كثيراً الاستدراء وراء حواجز واقامات لا تناسبه. فيرسل قصائد مزججة بإضراب الألفاظ الوقعية، فتعكس رسمه وتشوه صورته. وأننا نجهر أن نبين ما أظهره حتى الآن من أشعار طائفة عظيمة لا نميل لقراءتها، إذ نحملها على التصنع والتجمل فماله في شعره من مزالق ومعاثر، هي ذلك التقليد الشائن الذي يحاول إجادة سبكة جهده وأن نجد وهو يقول بالتجديد، يتشبث بمذهب القدماء. في رن الألفاظ وزقزقة العبارات، دون كبير التفات إلى تسلسل المعاني، فالتكلف أظلم بلاغته وضرب عليها أستارا حالكة كئيبة. فاضطربت مبانيه وارتجت مشيداته الرملية بفعل المد والجزر النقدي.

قد يحمل بعض عشاق منظوم شوقي إشارتنا البريئة هذه على غير مبناها - إذ هي طبعاً عرضتة للمظان - فيغررون أننا نتعنت لغاية في النفس. ومن إدراك أنهم لا يدعون أننا من الجمود والركود أيضاً، نؤثر الأساليب العتيقة ونشذب التجديد في التلميح والتشبيه والاستعارات؟ في حين أننا لا نذخر وسعاً في

<<  <  ج: ص:  >  >>