للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم جنحت إلى الغرب فوصلت إلى أنقاض عالية وطلول متبحثرة وطابوق مبثوث كثير وبين هذه الآثار أثر مجري نهير يمر وسط هذه البلدة فوقفنا على قمة طلل عال واستنطقنا تلك الأطلال العافية عن زمان بهجتها وألوان جمالها ونعيم حياتها وسألتها عن أنهارها المطردة المتلألئة وبساتينها المدهامة المزهرة أو المثمرة ورياضها ذات الخمائل والأزهار وأهلها المتنعمين الراكنين إلى السعادة والاطمئنان والعلم والعرفان، فكأنها أجابتني اعتباراً واستعباراً، بأن أهلها تعاورهم أنواع الفناء وطحنهم الدهر بأسنانه فصاروا عبرة لمن يعتبر ومزدجرا للذي يزدجر وقد خلف التراب الشراب والفناء الهناء والبلاء الرخاء والقبور القصور والدثور الظهور والأشواك الزهور.

وفي تلك الأراضي إلى بغداد لا تعد الأنهار ولا الأنيهار ولا الترع لكثرتها وتقاربها ولكنها تدندن الريح بيبسها وتتداول الرمال بطونها وتتلاطم عليها حرارات الشمس وأشعتها فتفيض سراباً هو المثل الأعلى للحياة الدنيا وتلطم متونها الدوامات لطم الظالم للمسالم ويمر قطار سكة الحديد وهي متحوية في منعرجاتها تحوي الحياة الكسير الظهور فتلتقي الدنيا والآخرة فتستخف الثانية بالأولى وتكبح من جماحها وتنقص من طماحها فعكبري اليوم أهل لأن تكون أنيسة للأنبياء ومسيلة للأتقياء ورادعة للأدنياء.

وبعد ذلك أبناء من عكبري إلى بغداد فرأينا في غرب السكة قبراً يشبه القبرين المذكورين آنفاً واسم دفينه (الشيخ إبراهيم) ويدعي بعض العامة أنه قبر (إبراهيم الأمام العباسي) صاحب الدعوة العباسية وشهيد حران الذي قال فيه شبل بن عبد الله:

والقتيل الذي بحران أضحى ... ثاوياً بين غربة وتناسي

وليس من دليل يؤيد تلك الدعوى وبعضهم يدعي أنه قبر مصعب بن الزبير وإبراهيم بن مالك بن الأشتر وهو الصحيح لأن (مسكناً) هناك، هذا مرادنا وبقية رحلتنا فلعل فيها فائدة.

مصطفى جواد

(لغة العرب) جاء في معلمة الإسلام مقالة للدكتور الأثري أرنست هر تسفلد فنقلها إلى لغتنا

ليطلع عليها القراء فتتم بها الفائدة ودونكها:

<<  <  ج: ص:  >  >>