للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو الغمام إلا وتتصور ما فيه من الماء وهل يكون غيم بلا ماء مهما ابيض ورق وإذا قالت العرب: غيم مغم أنهم يعنون كثير الماء كما ذكره جميع اللغويين ويقال في الغيم: الغين بنون في الأخر وهي لغة بعضهم.

ولما كانت الغين المعجمة حديثة بالنسبة إلى العين المهملة كان أصل غم: عم لأن الغيم ينتشر في السماء فيستر الجانب الأعظم منها. هذا فضلا عن أنهم أبقوا في قولهم عم المطر الأرض بمعنى شملها ما يدل على أن في هذه المادة معنى المطر الذي لا يكون في بلاد الشرق الأدنى إلا في فصل الشتاء.

ويشبه الغمام (بالفتح) الهمام (بالضم) وهو من الثلج ما سال من مائة وتشبه مادة عم أو غم: مادة همي ومنه همي الماء: سال لا يثنيه شيء. وهكذا إذا تنبعث المادة بأصولها وفروعها

دلت على أمور تقع في أيام الشتاء الباردة وهذا أمتن دليل على أن المادة عربية الوضع لتشعب ما يتقوم عليها.

وعندنا أن العنان نفسه لغة في الغمام لا غير من باب وجود لغتين (أو روايتين) في الكلمة الواحدة أي أن الغين نقلت إلى العين أو أن الغين إلى أصلها والميم في الأخر تحولت إلى نون. وهو أيضاً كثير في لغتنا الضادية.

أما وجود لغتين في كلمة واحدة (أي إبدال حرفين من حرفين آخرين) فهو أيضاً جم الأمثلة في لساننا. من ذلك: الكتر والقدر (وكلاهما بفتح فسكون) سما وشمخ. ختره وخدعه. آب يؤوب وعاد يعود. الدهاء والذكاء (محركة) المطلحب كالمسلئب. ارس وحرث. تكافش وتغافس. شحاح وسخاخ. نكث العهد ونقضه. وعوام بغداد يقولون المعجان (بجيم فارسية) وهم يريدون المعكام وهو المقلاع لأن الضارب به يعكم الحجر به أي يشده به وعندنا غير هذه الحروف من فصيحة وغيرها وهي كلها تشهد على أن بعض المتكلمين منا يغير حرفاً أو حرفين في الكلمة الواحدة فيكون منها لغة أو لغتان. وقد يكون هذا الإبدال المزدوج أو المثلث في المعربات نفسها مثال ذلك جاوة (اسم الجزيرة الشهير) فقد قالوا منذ القديم زابج ثم صحفوها تصحيفات لا تعد فقالوا فيها: زباج ورباح وزيبج وسيبج وسابج وزباد ورانج ورابخ وزانج إلى غريها حتى يمكن أن يقال أن كل مؤلف وكل ناسخ ذكرها بوجه من الوجوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>