للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه، وحينئذ يموت صاحبه في الفلاة. فإذا كان لابد من العقال فهو به حاجة إلى أن يكون معه دائماً، ولا يمكنه أن يضعه في جيبه لثقله وسقوطه في أثناء الركوب: ولا يتنطق به لأنه لا يحتاج إلى حبل بطول العقال. فلم يبق له إلا أن يشده برأسه مرتين أو ثلاثاً فيقضي به حاجتين في الوقت عينه: اتخاذه لتمكين ما يضعه على رأسه من كسفه، وعقل بعيره به حين النزول عنه.

هذا الذي يتبادر الذهن إليه في سبب اتخاذ هذا العقال للرأس وللبعير معاً.

على أن أحد أهل البادية ذكر لنا شيئاً غريباً ما كان يخطر ببالنا أبداً: كنا نقطع بادية الشام

في أواخر حزيران من سنة ١٩٠٥ وعند وصولنا إلى نحو من وسطها، عطشنا أشد العطش فلاقينا في طريقنا بدوياً راكبا ذلولا ومعه شكوة لبن رائب. فطلبنا منه أن يبيعنا قليلاً منه فأبى أن يأخذ منا دراهم. فأعطانا ما كفانا حاجتنا، فشكرناه أعظم الشكر، وحاولنا أن نكلمه على موضوع يستطيع أن يندرئ فيه فقلنا له: لماذا يتخذ أهل البادية جميعهم العقل عمرة لرؤوسهم؟ فقال: الذي سمعته من أبي أنه قال أن جده ذكر له أن سبب اتخاذ البدو العقال هو الخضوع لله، تقرباً منه لكي لا يسلط علينا أجنبياً يذلنا ويسومنا الخسف والظلم. فقلنا له: وأي صلة بين العقال وبين التقرب من الله. قال: لأن العقال يتخذ لربط الدواب لا لربط رؤوس البشر. فتعجبنا من هذا الجواب الغريب في باب، إذ لم نكن نتوقعه من هذا البدوي الكهل.

وكلامه هذا ذكرنا بأن العقال قديم الاستعمال في ديار الشرق، إذ هو معروف قبل المسيح بنحو ألف سنة. أو أكثر أي منذ عهد (اليسع) النبي (أو اليشاع). فقد جاء في سفر الملوك الثالث في الإصحاح العشرين في الآية ال ٢٧ ما هذا نصه: (فنزل هؤلاء (أي بنو إسرائيل) بازاء هؤلاء (أي الارمين) سبعة أيام، ولما كان اليوم السابع التحمت الحرب فقتل بنو إسرائيل من الارمين مائة ألف راجل في يوم واحد. وفر الباقون إلى (أفيق) إلى المدينة فسقط السور على السبعة والعشرين ألف رجل، الذين بقوا، وفر بنهدر، ودخل المدينة إلى مخدع في بطن مخدع. فقال له عبيدة: أننا سمعنا، أن ملوك بني إسرائيل ملوك رحمة: فلنشد الآن مسوحاً على متوننا، (ولنشد عقلاً (جمع عقال) على

<<  <  ج: ص:  >  >>