للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العدد ٨٦ - بتاريخ: ٠١ - ٠١ - ١٩٣١

[سنتنا التاسعة]

بلغنا - والحمد لله - السنة التاسعة من مجلتنا؛ وكان كثيرون يتجافون عن الاشتراك فيها؛ خوفاً من أن تغير مباحثها فجأة في أثناء الأيام فتبدل خطتها خطة جديدة، غير معهودة في أول أمرها، فلا يبقى فيها تلك المزايا الأول المفيدة. ولما رأوا أن المنهاج بقي على سننه الذي عرفت به مجلتنا هذه، جاءتنا الاشتراكات من كل حدب وصوب. وإن كان الحاصل منها لا يفي بالنفقات إلى الآن. على أن أملنا عظيم في أن أرباب الفضل والكرم يضافروننا بكل ما في مكنتهم من الوسائل، لتبقى هذه الموقوتة سائرة في وجهها المألوف، خدمة لهذه اللغة الكريمة، وأبنائها، والمتكلمين بها، ولكل من ينتمي إليها عن قرب أو بعد. والله من وراء القصد.

[تلو أي تل هوارة]

كانت العطلة لمدرسة الآباء الكرمليين في بغداد، تبتدئ في نصف أيلول، في زمن تلمذتي فيها وفي ذلك الشهر من سنة ١٨٩١ كنت في الشهر الأول من السنة السادسة عشرة من عمري، فرغبت في زيارة والدي في الشطرة على الغراف من بلاد المنتفق، فأذن لي بذلك فذهبت إليه بطريق الكوت، وبعد إقامتي عنده نحو ثلاثة أسابيع، حان وقت الإياب، فطلبت إليه أن يسمح لي، في عودتي، بأن أحيد بضعة كيلومترات، عن الطريق التي سلكتها، في المجيء لأتفقد (تلو) لما كنت أسمع عن الآثار التي بعثت من مدافنها فيها. وكان لي من والدي ما أردته، فمررت بهذه الخرائب التاريخية فعلوتها اسرح الطرف فيها، وقد استغرب سمعي منذئذ هذا الاسم الغريب: (تلو)! (تلو)!

وبعد ذلك، كثيراً ما سألت إعراب تلك الإنحاء عن اسم التل لعلهم يعرفون أصلا له، فاعترفوا بجهلهم، وبأن علمهم لا يزيد على سماءهم من سلفهم انه (تلو). وهكذا سلفهم ينقل عن الذي قبله إلى أمد لا يعرفون له حداً. فلم ينبثق من علمهم بصيص من النور اهتدي به. أما ما عرفته من معلمة لاروس المسماة (الجديدة المصورة) وغيرها من الكتب أن (تلو) مشتق من (تل لوح) المخفف من (تل اللوح) فلم اقنع بصحته، لعلمي أن أهل الغراف - حضرهم وإعرابهم - لم يلفظوا الكلمة ولا يلفظونها أبداً على هذا المنهج والمنحى. ولا سيما أني لم اسمعهم قالوا: (لوحاً) للصفيحة المكتوبة من الآجر التي تكون في التلول بل يقولون لها: (عنتيك) (بالعين) أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>