للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الدهر، وفقدانها المرونة والاتساع، بل أن أبناء العرب، والمستعربين الجهلة كثيراً ما تبرموا بالعربية، وقذفوها بالجمود واستحقروها، واستحبوا عليها اللغات الأجنبية لأنها لا تسمنهم اليوم، ولا تغنيهم من جوع؛ فأما الغربيون فالحق في جانب من قولهم لأن التفاريع، والشروح والتمحلات والتعاليل المريضة، جعلت العربية مستحكمة السور كاستحكام دول الحلفاء اليوم.

ورأينا بعض المغفلين يقترح لإصلاح العربية أشياء أقل قباحتها أن تحرم المتعلم الجديد التمتع بما خلفته العرب من العلم، والأدب، والشعر، فهذا اختراع لغة تخليطية، لا اقتراح إصلاح، فمن إصلاحه المزعوم إهمال أعراب المثنى، وما أدري إذا أهمله كيف يعرف الجارح مثلا في قول القائل: (جرح الشرطيين السارقين) فان ترك الأعراب يلجئ إلى استعمال قرينة من اللغة العامية ولعامة كل قطر عربي لغة، فضلا عن أن العامية كثيرة القرائن، فعوامنا يقولون بدلا من (جرح الشرطيين اللصان): البليسية الاثنين جرحهم الحرامية اثنينهم. وفي ذلك من الحشو البارد والإطالة الفاسدة ما يسمى ألمي الأكبر بل اقترح أن يزال استواء المذكر والمؤنث في (فعول) و (فعيل). ولعمري ليس هذا من الإصلاح. فالإصلاح يبنى على ما تقدم من اللغة لا ينقصه كله، والعرب ساوت بين المذكر والمؤنث في (فعول) لفائدة عظيمة لا يدركها الطافون على اليعاليل لأنها إذا قالت للمؤنث (فعولة) انصرف الذهن إلى أنها بمعنى مفعولة مثل: (ركوبة أي مركوبة) و (حلوبة أي محلوبة) و (حمولة أي محمولة) أو إلى أن الهاء للمبالغة لا للتأنيث مثل ترجل ملولة،

فروقة، وامرأة ملولة، فروقة.

أما فعيل فلا يستويان فيه إلا قليلا مثل: (جددت العباءة فهي جديد أي مجدودة، وتقول جديدة) ومثل (عتقت القنطرة فهي عتيقة) بمعنى عاتقة،

<<  <  ج: ص:  >  >>