للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في ذلك العهد القديم؛ وعليه آثر النقابون أن يكشفوا هيكلا بعد هيكل، وجداراً بعد جدار، فوجدوا على سطحها وقممها أنقاضاً وعاديات مسطوراً عليها أنباء قديمة، وفي أنقاض هذه الهياكل اقدم الآثار التي خلفها ابن آدم العريق في الحضارة والعمران. فقد كانت الأرض الواقعة تحت الردم مستورة بكسر خزفية واغلبها كبيرة جداً حتى استطاع النقابون أن يعيدوا تركيب بعضها ويظهر أن الصلصال الفاخر وضع باعتناء عظيم في قالب، وألقي في دولاب خزاف، وشوي، فأصبح آية في الإتقان والإبداع، وصفائح تلك الأوعية رقيقة ولونها ضارب إلى الحمرة الغامقة وهو لون الطين الطبيعي.

وقد حاول النقابون عبثاً أن يبحثوا وينقبوا في طبقات أرض الصحراء، للوقوف على عاديات تنبئهم عن شعوب تلك الأزمنة العريقة في القدم، فرجعوا بخفي حنين، غير أنه رسخ في أذهانهم أن صانعي تلك الأواني لم يكونوا أقواماً متوحشين، بل بالعكس كانوا أمة متمدنة استطاعت بسمو مداركها أن تخترع دولابً لصنع الخزف، وأدوات لتنميق الصلصال، ووضعه في أشكال ظريفة، ونقشه وتزويقه، ثم شيه في أتون ليصلب كالحجارة. وفي وسع ابن القرن العشرين أن يحكم حكماً قاطعاً على أن شعباً يتقن صناعته إلى هذه الدرجة قد بلغ إلى أسمى منزلة في علم العمران، واستنبط أموراً كثيرة غير هذه.

إذا رغبنا في أن نقف وقوفاً تاماً على عصر الخزف، ومعرفة الشعوب والأقوام التي سكنت وجه الصحراء، قبل أن مصرت وشيدت فوقها المباني والهياكل، علينا أن نصعد أولا إلى قمة الحفرة وندرس طبقات الأنقاض المختلفة درساً دقيقاً لكي نكشف النقاب عن وجه

الحقيقة، ونتحقق الزمن الذي مرت فيه الأجيال قبل بلوغنا إلى قلب الصحراء.

أن الآجر العائد إلى دنجي، واور أنجور، في الطبقتين المرتفعتين يعين زمن بناء قمة الرابية في نحو ٢٤٥٠ - ٢٣٠٠ ق. م. ثم أن ذهب نرم سن وآجر سرجون القائمين تحت الطبقتين يرجع بنا إلى قبل ذلك التاريخ بمائتي سنة والآجر المحدد المستطيل المنتمي إلى خمسة عشر حاكماً وأكثر، فإنه سابق لعصر سرجون ويتجاوز عصر الهيكل المشيد بالآجر المسنم وتمثال الملك دا أو دو (داود) بعدة قرون.

رزوق عيسى

<<  <  ج: ص:  >  >>