للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهم السحر والترصد والخطب الطوال.

ولهم الرأي والنجدة والصبر، وليس لأحد من الصبر ما لهم،

ولهم الأخلاق المحمودة والسواك والخضاب.

وهم مع ما ذكرنا أصحاب بددة وهي جمع بد. والبد الصنم، ينحتونها بأيديهم ثم يعبدونها ويجعلون لهم بيوتاً كمساجد المسلمين، وفيها بنات رؤسائهم موهوبة لتلك البددة على وجه التقرب بها، والنذر، والكفارات، وتلك النساء واقفة للفساد والفجور يأمرها أهلها بذلك. ويرون أن لهم فيه أجراً عظيماً. ولهم عباد ورهبان متجردون عن اللباس يدعون الزهد في الدنيا، لا يمسون الماء ويتبركون بأوساخهم، ويختبرونهم بتلك النساء وملاعبتها، فمن اشتاق من أولئك العباد إلى تلك النساء. وهاج فقد كفر كفراً عظيماً؛ واتى بأعظم منكر، وألحقوه أنواع العذاب والنكال، وقتلوه. هذا في الزهاد خاصة، فأما غيرهم منهم، فلا ينكرون عليه الفجور بتلك النساء، وإذا اشتاق الهنود إلى زيارة موتاهم، أضرموا النيران،

وحملوا معهم الهدايا واللطائف، وتضمخوا بالصندل وتكفنوا، ورموا بأنفسهم في تلك النيران، ويزعمون انهم يرجعون إلى أهليهم إذا قضوا وطراً من زيارة موتاهم. وهذا عجيب في جميع الهنديين، إذ يرى دقة النظر في دنياهم وجهالاتهم في دينهم.

قال الجاحظ: ثم ملنا إلى الروم فوجدناهم أطباء وحكماء ومنجمين ولهم أصول اللحون وصنعة القرسطون.

وهم الغايات في التصوير، يصور مصورهم الإنسان، حتى لا يغادر شيئاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يصوره شاباً، وان شاء كهلا، وان شاء شيخاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يصوره باكياً، أو ضاحكاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يجعله جميلا ناعماً، عتيقاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يفصل بين ضحك الشامت، وضحك الخجل، وبين المتبسم والمستعبر، وبين ضحك السرور، وضحك الهازئ وضحك المتهدد، فيركب صورة في صورة، وصورة في صورة، وصورة في صورة.

ثم لهم في البناء ما ليس لغيرهم، ومن الخرط، والنجر، والصناعة، ما ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>