للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غيرها، فأنه لا ينتفع منهما بكثر فائدة، حتى يدخلاها فتسبح مياههما في جنباتها، وتتبطح في رساتيقها، فيأخذون صفوه هنيئاً، ويرسلون كدره وأجنه إلى البحر، لأنهما يشتغلان عن جميع الأراضي التي يمران بها، ولا ينتفع بهما في غير السواد، إلا بالدوالي والدواليب بمشقة وعناء.

وكانت غلات السواد تجري على المقاسمة في أيام ملوك الفرس والاكاسرة وغيرهم، إلى أن ملك قباذ بن فيروز، فأنه مسحه وجعل على أهله الخراج وكان السبب في ذلك: إنه خرج يوماً متصيداً، فانفرد عن أصحابه بصيد طرده حتى وغل في شجر ملتف، وغاب الصيد الذي اتبعه عن بصره، فقصد رابية يتشوفه، فإذا تحت الرابية قرية كبيرة، ونظر إلى بستان قريب منه فيه نخل ورمان وغير ذلك أصناف الشجر، وإذا امرأة واقفة على تنور تخبز ومعها صبي لها، كلما غفلت عنه، مضى الصبي إلى شجرة رمان مثمرة ليتناول من رمانها، فتعدو خلفه وتمنعه من ذلك ولا تمكنه من اخذ شيء منه، فلم تزل كذلك حتى فرغت من خبزها، والملك يشاهد ذلك كله. فلما لحق به اتباعه، قص عليهم ما شاهده من المرأة والصبي، ووجه إليها من سألها عن السبب الذي من اجله منعت ولدها من أن يتناول

شيئاً من الرمان. فقالت للملك فيه حصة ولم يأتنا المأذون بقبضها، وهي أمانة في اعناقنا، ولا يجوز أن نخونها ولا نتناول مما بأيدينا شيئاً حتى يستوفي الملك حقه.

فلما سمع قباذ ذلك أدركته الرقة عليها وعلى الرعية، وقال لوزرائه: إن الرعية معنا لفي بلية، وشدةٍ، وسوء حال، بما في أيديهم من غلاتهم، لأنهم ممنوعون من الانتفاع بشيء من ذلك، حتى يرد عليهم من يأخذ حقنا منهم، فهل عندكم حيلة تفرج بها عنهم؟ فقال بعض وزرائه نعم، يأمر الملك بالمساحة عليهم ويأمر أن يلزم كل جريب من كل صنف، بقدر ما يخص الملك من الغلة فيؤدي ذلك اليه، وتطلق أيديهم في غلاتهم، ويكون ذلك على قرب مخارج المير، وبعدها من الممتارين. فأمر قباذ بمساحة السواد وإلزام الرعية الخراج بعد حطيطة النفقة، والمؤونة على العمارة، والنفقة على كري الأنهار وسقاية الماء وإصلاح البرندات، وجعل جميع ذلك على بيت المال فبلغ إخراج السواد

<<  <  ج: ص:  >  >>