للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في تلك المدينة من آثار الجاهلية سوى بعض كتل بناء مبنية بآجر عليه اسم نبو كدر أصر. وهذه الأخربة كل ما بقي من المسنيات لتي شيدها ذلك

الملك على ضفة النهر. وكانت بغداد في أوائل عصرها بلدة صغيرة واقعة على ضفة دجلة الغربية تعتمد على التجارة المنقولة على النهر، ولا شأن لها في السياسة إلا قليلا.

وأخذت بغداد بالرقي بعد احتلال المسلمين تلك البلاد. لأن المنصور، - وكان رجلاً فعالاً وثاني خلفاء العباسيين -، اخذ هذا الموقع عاصمة جديدة له وعمر فيه الكرخ (المدينة المستديرة) الذائعة الصيت سنة ٧٦٢م. ونمت هذه المدينة منذ ذلك الحين نمواً سريعاً حتى عظمت في أيام الخلفاء ونافست بمجدها ما سبقها من المدن أمثال نينوى وبابل وسلوقية وطيسفون، وأصبحت بغداد غنية جداً حتى صارت موئل التجار واقبل إليها الناس على اختلاف أجناسهم من أربعة اطرق الأرض؛ وكان لسمعة دار الخلافة الزاهية. دار هارون الرشيد، أعظم خلفاء العباسيين بعد سمعة، جذبت الناس إلها من جميع أنحاء العالم فأضحت كعبة الأدباء ومحط رحال العلماء ومركز الشعراء ومحج رجال الفن.

أن الفضل في أتشاء دار الآثار القديمة في بغداد عائد إلى المرحومة المس جرترودبل العالية الهمة، إذ كانت من أحب الناس للآثار القديمة، كما كانت من مصف العلماء المستشرقين. فصارت مديرة فخرية للآثار القديمة في الحكومة العراقية. فوق ما كانت تقوم به من واجبات الكتوم للشرقيات في ديوان المندوب السامي. وباشرت بنشاط عظيم إقامة متحفة للآثار القديمة ذلك النشاط الذي كانت تعرف به. وهي لا تملك شيئاً لهذه الغاية إلاَّ بعض دريهمات وغرفة واحدة في دار الإمارة (السراي). وتتجاوز المتحفة الآن اتساع الغرفة الواحدة وقد نقلت إلى محل أوسع في بناء مطبعة الحكومة في شارع الجسر، ويعود فضل نموها إلى ما تتبرع به بعثة كيش وبعثة أور في كل سنة، وكانت المس بل أعانت هتين البعثتين أكبر اعانة، ويتوقع أن هذه المتحفة تنقل بعد ذلك إلى بناء خاص بها، فتقر بها عيون الكثيرين لاسيما إذا رأوا في هذه الدار اسم المس بل تذكاراً لها، ولو تسنى لتلك السيدة أن تشاهد هذه الذكرى لاستحسنتها خير استحسان مكافأة لعملها المفيد العجيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>