للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وشيدت لها المنازل والدور ثم طوت أيام عزها وانضمت إلى الأمم البائدة، غير أن مدنها وعماراتها أصبحت على توالي الأجيال ركاماً من التلول الدوارس.

الشمريون في العراق

حل في القطر العراقي قبل المسيح بأربعة آلاف سنة، شعب غريب قدم من ديار مجهول، وكان أكثر حضارة من العراقيين الأولين، ولم يمض زمن على قدومه حتى أنتشر في بابل كلها، وقد عرف أبناء ذلك الشعب باسم الشمريين وقد صحفها بعضهم بصورة (الشنعاريين) ومعنى الأخير سكان بين النهرين، وبصور أخر لا تحصى نبهت عليها لغة العرب في مجلداتها السابقة.

كان الشمريون قصيري القامة، مجتمعي الأعضاء، سمر الألوان، مسترسلي الشعر، مستديري الرؤوس والوجوه، عيونهم منحرفة قليلاً أي مائلة تشبه عيون المغول، وظهر للأثريين والمنقبين أن هذا الشعب عريق في القدم، وقد تدرج في سلم المدنية، وكان له لغة وآداب خاصة به منتشرة في الربوع التي نزح منها، وكان يعرف النحت، فقد نحت التماثيل من الحجر، وزخرف الأواني بنقوش ورسوم بديعة، وحفر الحروف واستنبط الكتابة، ورصع الأوعية بالعاج، وركب في الختوم الأحجار الكريمة الشفافة ذات الألوان البهية.

وكان الشعب الشمري ورعاً، متعبداً، فالآثار التي خلفها في العراق تدل على شدة تدينه وتعلقه بآلهته، فانه لما أحتل مدينة (أدب) شيد لعبادته فيها هيكلاً من الآجر المسنم، ويذهب فريق من الأثريين إلى أن هذا الآجر أتخذ للبناء في ديار بابل لأول مرة، وإلى أن هيكلهم هذا يعد من أعظم وأنفس هياكل (أدب) القديمة، لان جميع الهياكل الحديثة التي أقيمت بعده، كانت ترميمات وإعادة بناء الهيكل الأول.

اختار الشمريون موقعاً لهيكلهم العظيم الرابية القديمة، وبعد أن مهدوا سطحها، شيدوا فوقه مصطبة من اللبن بلغت مساحتها المربعة ٦٥ متراً وارتفاعها مترين ونصفاً وزواياها متجهة إلى الجهات الأربع وفي وسط المصطبة يرى الهيكل والبرج. وقد ذهب بعضهم إلى أن برج الهيكل لم يكن موجوداً في عصر الشمريين، أو قبل عهد أور أنجور، ولكن في ذلك الزمن نفسه كانت منزلة البرج في الهيكل

<<  <  ج: ص:  >  >>