للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أين الكهول وأين كل دعامة ... للمعضلات وأين زين الأبطح

أفناهم ضرباً بكل مهند ... صلب وحد غرارة لم يصفح

وأما الجود فليس على ظهر الأرض جواد جاهلي، ولا إسلامي، ولا عربي ولا عجمي، إلا وجوده يكاد يصير بخلا إذا ذكر جود علي بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس، والمذكورون بالجودة منهم كثير، لكنا اقنصرنا، ثم ليس في الأرض قوم انطق خطيباً ولا اكثر بليغاً من غير تكلف ولا تكسب من بني هاشم. وقال أبو سفيان بن الحرث: (شعر)

لقد علمت قريش غير فخر ... بانا نحن أجودهم حصاناً

وأكثرهم دروعاً سابغات ... وأمضاهم إذا طعنوا سنانا

وادفعهم عن الضرآء فيهم ... وأثبتهم إذا نطقوا لساناً

ومما يضم إلى جملة القول في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام، انه أطاع الله قبلهم، ومعهم، وبعدهم؛ وامتحن بما لم يمتحن به ذو عزم؛ وابتلي بما لم يبتل به ذو صبر. وأما

جملة القول في ولد علي عليهم السلام؛ فان الناس لا يعظمون أحداً من الناس إلا بعد أن يصيبوا منهم؛ وينالوا من فضلهم وإلا بعد أن تظهر قدرتهم؛ وهم معظمون قبل الاختيار؛ وهم بذلك واثقون، وبه موقنون؛ فلولا أن هناك سراً كريماً؛ وخيماً عجيباً؛ وفضلاًمبيناً، وعرقاً نامياً، لاكتفوا بذلك التعظيم؛ ولم يعانوا تلك التكاليف الشداد؛ والمحن الغلاظ.

وأما المنطق والخطب فقد علم الناس كيف كان علي بن أبي طالب عند التفكير والتحبير؛ وعند الارتجال والبديهة، وعند الإطناب والإيجاز في وقتيهما؛ وكيف كان كلامه قاعداً وقائماً، وفي الجماعات، ومنفرداً مع الخبرة بالأحكام، والعلم بالحلال والحرام، وكيف كان عبد الله بن العباس رضوان الله عليه، الذي كان يقال له (الحبر والبحر). ومثل عمر بن الخطاب يقول له: غص يا غواص وشنشنة أعرافها من اخزم، قلب عقول ولسان قؤول. ولو لم يكن لجماعتهم إلا لسان زيد بن علي بن الحسين، وعبد الله بن معاوية بن جعفر؛ لقرعوا بهما جميع البلغاء؛ وعلوا بهما على جميع الخطباء. ولذلك قالوا أجواد، أمجاد،

<<  <  ج: ص:  >  >>