للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إدراك حقيقة ماضيهم، حتى جعلهم لا يعرفون من هذه الحياة أمراً سوى القتل، والنهب، والسلب. ولو سألت واحداً منهم عن تاريخ قبيلته، ونسبها، وتاريخ الأراضي القاطنة فيها، وعن السبب في تسميتها، باسمها الحالي، لما أمكنه أن يجيبك عن سؤالك بشيء، وبقي واجماً لا يعرف ماذا يقول وماذا يفعل؟

ومما يزيد البحث صعوبةً وخطورةً: عدم وجود كتاب أو رسالة بحث عن أحوال هاتيك القبائل، وعن أسباب هذا التشعب الذي بدا فيها، من تفرقهم إلى بطون، وأفخاذ، وعمائر، وجماعات. وهناك أسماء محرفة، مشوهة، تزيدك ارتباكاً وضلالاً. وإذا وجد شيء من ذلك، فهو لا يميط لك النقاب عن تلك المسميات. ولا يهديك إلى ضالتك المنشودة، وغايتك المطلوبة. وزيادة على ذلك، أن الحكومة السابقة، صاحبة البلاد، لم تكن تعرف من أمر هذه

القبائل شيئاً سوى أن منهم الزراع، والغزاة، وقطاع الطرق، وأن منهم من يطيعونها، فتضرب عليهم الرسوم الفادحة والضرائب الثقيلة، فتثقل كاهلهم بالديون، وتجعلهم يئنون من وطأة الفقر عليهم. وإن منهم من يعصون أمرها، فكانت تسوق عليهم الجنود فترجع أما بصفقة الخاسر المغبون، وأما بتشتيت تلك القبائل في أطراف البلاد، فينتشر عقد جامعتها، ويذهب بذلك نسبها، ويمحى تاريخها، بمحو عصبيتها وجامعتها، وتندرس أطلالها، وتعفى رسومها.

وعندي أنه لولا عصبة من دهاقين الغرب المنقبين، وفئة من أساطين الشرق الباحثين، تتبع الحوادث، وتقيد الشارد والوارد منها، وتبحث من غير كلل ولا ملل عن أحوال تلك القبائل، وتاريخها، ونسبها، فتذلل لنا الصعاب وتزيل عنها العقبات؛ بما كشفته من الأسرار الغامضة، لذهب تاريخها، كما ذهب من قبلها تاريخ عاد وثمود، وسائر الأمم البائدة. إلا أن أبحاث أولئك المنقبين، ويا للأسف! محصورة في بعض العشائر التي تراجع الكويت، وتتردد إلى البلدان الساحلية، ولم تتعرض لغيرها.

ومن القبائل التي لم يهتد إليها كبار الباحثين، ولم يعرف تاريخها عظماء الاجتماعيين، القبائل القاطنة في ضفف دجلة، بين بغداد وسامراء (أو سر

<<  <  ج: ص:  >  >>