للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتحدثنا الرواة أيضاً أنها أنشدته أيضاً قصيدتها التي مطلعها:

هريقي من دموعك واستفيقي ... وصبراً إن أطقت ولم تطيقي

. . . الخ

يحدثونا أن جميع ذلك أنشأته لحظة حديثها، وبدون ترو ومهلة، ولعلهم أرادوا مداراة الانتحال بصبها في هذا القالب. ولم يدروا أن هذا ادعى إلى الشك واحمل على الرفض. ناهيك بان ليس من بيت في كلتيهما روي في صورة واحدة، فلابد من اختلاف وتناقض مقاطع وكلمات، بل في المعاني أيضاً، مما يثبت أن الرواة كانوا يعمدون إلى قصائد المتقدمين، فلا يفتأون يغيرون فيها ويكيفونها ويثقفون ما اعوج ويجددون ما بلي من ألفاظها على حسب ذوقهم حتى تستقيم على وزن عصرهم، ويحلو نغمها فيدونونها، وقد يعمد أيضاً آخرون إلى مدوناتهم فيقومونها بمطلبهم، فإذا ما وصلتنا مخطوطاتهم جميعاً وتلقفتها فاحصين ما وجدناها إلا سوى طائفة أخلاط لا تستقيم على وزن، وهي مبعدة لنا منفرة من الركون والإيمان بما لدينا من أمثالها الأشتات الخرافية.

هل لشعرها من قيمة؟ ما هي؟

إذا جئنا نبحث عما لأشعار الخنساء من قيمة تاريخية عثرنا عليها بما أوردناه وهي ابعد من أن تؤدي أي فائدة لهاته الوجهة، سوى أن ترجح فينا الشك وتقوي فينا عامل الرفض لكل الأشعار المنسوبة للمتقدمين، وتدغم فينا دافع قذفها إلى الحضيض، لكننا أن وددنا معرفة قيمتها لغوياً وأدبياً، وتغاضينا عن انتحالها، وهل من إفادة للمتأدبين؟ - وجدناها في مكان عظيم، وكنزاً لا يفنى ففيها من سمو الخيال وعلو المعنى ورقة الافتتان، وحسن السبك ما هو في أعلى منزلة واجل مكانة. وقد شاء قصاصها بذكر ما كان للخنساء من إكرام واعتبار في الجاهلية وعزة في الإسلام. وكيف كانت الشعراء الفحول تتسابق إليها وتشد لها بالتفوق. وكفى أن تعلم أن النبي كان يكرمها ويستشهدها. واتفق أن وافاه عدي بن حاتم وفخر عليه بقوله: (يا رسول الله. إن فينا اشعر الناس وأسخى الناس، وأفرس الناس) فقال: (سمهم) قال: (أما اشعر الناس فامرؤ القيس بن حجر وأما أسخى الناس، فحاتم بن سعد (يعني أباه). وأما أفرس الناس، فعمرو بن

<<  <  ج: ص:  >  >>