للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معد يكرب) فقال: (ليس كما قلت يا عدي،

أما اشعر الناس، فالخنساء بنت عمرو. وأما أسخى الناس فمحمد (يعني نفسه). وأما أفرس الناس، فعلي بن أبي طالب). فهنا نالت مديحاً وافراً وخصها بقوله: (اشعر الناس) ولا بد أن شعرها كان سامياً جداً حتى ينال ذلك الإطراء. والرواة أذن قد تعدوا عليه وارتكبوا جريرة بعبثهم بالتراث ولعله كان اجل وأسمى بكثير مما هو عليه الآن وفعلتهم به كعمل من يتناول أشعار المعري. أو الخيام، أو ابن الفارض، ويسهل ألفاظها ومبناها، ويملأها بذكر الطيارات والسيارات والدبابات، وأمثال هذه الآلات. ويتناسى قديمها مدعياً أن الأشعار بهذا التغيير والتكييف اقرب وأوفى بمقتضيات، ولغة هذا العصر. فأي مهزأة بل أي جرم هذا؟.

كثير من القصاص والكتاب يقدمون الخنساء على سائر الشعراء. فالمبرد وليلى الأخيلية يقدمنها على كثير من فحول الشعر. والحصري يصفها بأشعر نساء العرب طرأ وغيرها كثير. وليس من شك أن ما يحويه شعرها. لهو اجل ما تضمنه العربية من إثارة الكوامن النفسية، وتنبيه الشجون. وان في الاقتباس منه فائدة لا تنكر. . . نذكر أننا كنا نحادث المرحوم (الأب لويس شيخو) واتفق أن ذكرنا له عرضاً شغفنا بالخنساء أشعارها، واستطلعنا رأيه، فأجابنا رحمه الله بما مؤداه: (إن كثيراً من الأدباء يبخسونها حقها بدعوى أنها امرأة، أو لجهلهم أشعارها المتينة. بينما هي حقاً تتفوق على كثير مما لدينا من أشعار المتقدمين والمتأخرين من رجال ونساء، ولاسيما في معرض الحزن والتفجع، فهي جديرة وجوباً أن تلحظ عطفاً من جميع المتأدبين ومن شبابهم خاصة).

مما هو حري بالذكر أن في شعرها الجليل الكثير من التفنن والسهولة، ما يجعله داني القطوف، شهي السماع. وان المتأدبين ليجدون ذلك فيه، مع ما ناله من تمزيق وإهانة من الرواة، معيناً عظيماً في تملكهم ناصية العربية. ونماماً يفضح أسرارها ويقرب غموضها إليهم. ومن محاسنه قولها:

يؤرقني التذكر حين أمسي ... فيردعني مع الأحزان نكسي

على صخر وأي فتى كصخر؟ ... ليوم كريهة، وطعان خلس

فلم اسمع به رزاً لجن ... ولم اسمع به رزءأً لانس

<<  <  ج: ص:  >  >>