للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اشد على صروف الدهر آداً ... أفضل في الخطوب بغير لبس

واكرم عند ضر الناس جهداً ... لجا أو لجار أو لعرس

وضيف طارق أو مستجير ... يروع قلبه من كل جرس

فأكرمه وآمنه فأمسى ... خلياً باله من كل بؤس

ألا يا صخرُ لا أنساك حتى ... أفارق مهجتي ويشق رمسي

يذكرني طلوع الشمس صخراً ... واذكره لكل غروب شمس

فلولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي

ولكن لا أزال أرى عجولا ... ونائحة تنوح ليوم نحس

هما كلتاهما تبكي أخاها ... عشية رزئه أو غب أمس

وما يبكين مثل أخي ولكن ... اسلي النفس عنه بالتأسي

فقد ودعت يوم فراق صخر ... أبى حسان لذاتي وانسي

فيا لهفتي عليه ولهف أمي! ... أيصبح في الضريح وفيه يمسي؟

ومما يستحسن من شعرها أيضاً. قولها:

ألا يا صخر أن أبكيت عيني ... فقد أضحكتني دهراً طويلا

بكيتك في نساء معولات ... وكنت أحق من أبدى العويلا

دفعت بك الجليل وأنت حي ... فمن ذا يدفع الخطب الجليلا

إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا

فأنت ترى من هذا رقة وبياناً، وتجد أن فاخر شعرها قالته في صخر. وقيل أن سبب ذلك ما أتاه لها من ضروب الإحسان، يوم كان زوجها متلافاً للأموال. فكان صخر لا ينفك من إعانتها ما وجد لذلك من سبيل، وبكته هذه البكاء الذي لم يرو التاريخ مثيله في شقيق، وانظر إليها تنتقل من غرض إلى غرض، ومن معنى إلى معنى. فبينما تجدها تتأسى عنه إذ تملكها الجزع فتندبه. خذها في المطلع تذكره:

يؤرقني التذكر حين أمسي ... فيردعني مع الأحزان نكسي

ثم يغريها الحزن فتثور باكية حين تقول:

ألا يا صخر لا أنساك حتى ... أفارق مهجتي ويشق رمسي!

<<  <  ج: ص:  >  >>