للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونال أنواع المشاق وبقي مكسور الجناح، ومعه أمه المشفقة، فأقام في كربلا والحلة بضعة أيام، ثم امتطى الغربة وجول في البراري والقفار، متحيراً لا يدري أين يتوجه (وقصده هنا تصوير غربته) ولم يتعرض لذهابه إلى الروم.

وفي هذه الأثناء ورد حافظ أحمد باشا للمرة الأخرى، وتوجه إليه لسابق معرفة. وهذا مما يدل على أنه لم يخرج من العراق. والحاصل توجع لوالده بما اوتيه من بيان وصور ما أصابه ليدلي بتعلقه بحكومته.

أما كلشن شعراء فأنه أعطى الإيضاحات اللازمة عن هذه، فأزال الإبهام المستفاد من الاختصار الوارد في كلشن خلفاء. والظن بأن سابق المعرفة تدل على أنه كان معه في بلاد الروم لم يدعمه دليل، مع أن حافظ أحمد باشا كان قد جاء قبل هذه المرة في أيام بكر

صوباشي. والمعرفة من هنا حصلت فلم يكن ذهب إلى الروم (الأناضول) حتى مجيء حافظ أحمد باشا. وذهابه كان في أواخر سنة ١٠٣٥ أو أوائل سنة ١٠٣٦. وقد هدم الفاضل نقده في كلامه الأخير خشية أن يسد عليه الطرق، فأورد احتماله قال: (إنه يمكن أنه بعد أن ذهب إلى هناك عاد إلى الرها. هذا وأن كان يجوز - من باب الاحتمال - أن يقال لعل صاحب كلشن خلفاء أراد بالروم توسعاً الرها. . .) أهـ. ولكنه لم يلتفت إلى مدلول لفظ الروم مع أنه نقل عن كلشن خلفاء: (بدر مرحوم تك وتنها ترك يار وديار محروسه، رهاده قرار أيتمش أيكن، بو أيام خير انجامده الحمد لله الملك الجواد أولاد وأحفاد وفي الجملة برك وبار ونظام معتاد أيله كيرو عودت بغداد أيدوب شاكر أو لمشدر) أهـ. والمعنى أن الوالد هاجر وحيداً، وأقام في الرها، وفي هذه الأيام - ولله الحمد - شكر الله على الأولاد والأحفاد والعودة بنعيم ونظام معتاد أي أن الله تعالى من عليه بالعودة، وعوضه بالأموال والبنين.

ويفهم من مجمل اللفظ أنه بعد أن ناله ما ناله، رجع وعوضه الله تعالى. وهذا لا يقتضي الملازمة. وحرف العطف المضمر في الصيغة العطفية (أيدوب) لا يدل على المقارنة ولا الترتيب، حتى أن (أيله) تدل على وجود جملة فعلية سابقة لها. ولو قيل أنه ذهب مجرداً وعاد بأموال وبنين لكان المعنى أنه صار له.

وإلاَّ فكيف يعقل أن يعود بأولاد وأحفاد، وتاريخ ذهابه وعودته معروفان

<<  <  ج: ص:  >  >>