للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان العراق بعد الهدنة، كسائر الأقطار العربية، في ارتباك، شديد وقلق مستمر، على مستقبله لما كان يحيط به من خطر المطامع الاستعمارية، وخطر الضعف، في الدفاع عن حقوقه، وكان ذلك، أيام كانت الدول الغالبة لا تزال تحت سيطرة الروح العسكرية تنظر إلى العراق، وكافة البلاد، التي انسلخت عن السلطنة العثمانية بنظر البلاد المقهورة، بالرغم

عما كان قد قطع من العهود والوعود من قبل تلك الدول العظمى للبلاد العربية، وتلك العهود لم تكن لتنفع بلادنا إذ ذاك ونحن غير قادرين على تحقيقها. لأننا لم نتمكن بها من الضغط على الدولة الغالبة، كي تقوم بتنفيذ ما قطعته لنا من عهود، من حقوق في أيام محنتها.

نعم لقد اعترف بحقوق العراق والبلاد العربية اسمياً، أيام محنة الحلفاء، غير أن ظروف الحرب، كانت غير ظروف الهدنة، وكانت لا تساعد على تأييد ذلك الاعتراف الاسمي، بالنظر إلى الروح العسكرية المسيطرة وقتئذ؛ وهي التي على العكس من ذلك كانت تجنح إلى نبذ ذلك الاعتراف، وتنفيذ مبادئ الفتح، غير أن كلمة الاستعمار كانت قد أصبحت ممقوتة في نظر الشعوب الغالبة والمغلوبة، ومن اجل التوفيق بين الاعتراف الاسمي بحقوق البلدان المنسلخة عن تركية وتنفيذ مبادئ الفتح ابتدع أسلوب جديد سمي بالانتداب ليستر من جهة الفاتح ويؤمل من جهة أخرى المغلوب بإمكان الحصول على استقلاله.

هناك في باريس اجتمع الحلفاء لعقد الصلح، وتقرير مصير البلاد المقهورة ذهبت من قبل المرحوم والدي مندوباً عن العرب، إلى مؤتمر فرساي وشهدت بنفسي موقف الدول العظمى، وكنت واقفاً على حقيقة حالة البلاد العربية ولا أخفي عنكم ما تسرب إلى نفسي من اليأس، حينما أطالب بحقوقنا المعرب عنها صراحة، من قبل حلفائنا، ولم أجد إذنا تصغي، وكم كان ذهولي عظيماً لما أدركت بنتيجة مراجعاتي وتشبثاتي أن الضيف لا شأن له في مراجعة القوي بطلب حق إذا لم تكن هناك سلطة عامة كبرى تشرف على علاقة الطرفين معا وقد كان هذا الشرط ناطقاً في مؤتمر فرساي ولم أجد نفسي إلا اعزل أطالب أمما مسلحة بحقوق تحتاج إلى قوى عظيمة تسندها. في ذلك الجو وتحت تأثير ذلك المحيط تجادلت ولم أشاء أن اترك المؤتمر واترك بلادي بلا مدافع ولا نصير وأخذت أسعى هنا وهناك حتى وجدت البريطانيين وغيرهم من الأجانب ممن يهزهم الحق ويتمسكون بشرف القول فاتخذتنهم أنصاراً وكان لي والحق يقال من تأييدهم ومعاصرتهم ما زاد في قواي ودفع بي إلى متابعة الجهود والمطالبة بالحقوق التي كنت آتيت إلى باريس من اجل نيلها والعودة بها إلى الأمة التي انتدبني والدي عنها وكنت كمن يسعى فوق اليأس وكان المناصرون لي غير قادرين تماما على تذليل العقابات الكاداء الناتجة عن تغلغل الروح

<<  <  ج: ص:  >  >>