للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبيب روسي مشهور ولد في بيلوستوخ من أعمال غرودنو في سنة ١٨٥٩م وهو الآن حي يرزق وعمره نحو ثلاث وخمسين سنة والذي حمله على استنباط لغة جديدة صناعية، كما عثرت على ذلك في إحدى المجلات الإنكليزية، هو أنه رأى منذ صغره الانقسامات الجنسية، والمنازعات اللسانية، الموجودة في مسقط رأسه بين اللغات الأربع التي كان الأهالي يتكلمون بها وهي: الروسية، والبولونية، والألمانية، واليهودية. فهذه اللغات كانت تحارب الواحدة الأخرى لكي تلاشيها من تلك البقعة، وكل من أصحابها يود لو كان في وسعه التشبث بلسانه والتعلق بأذيال لغته فقط. على اختلاف الألسنة بهذه الصورة مما يولد النفور والنزاع بل ويبعث على العداوة والبغضاء بين المتكلمين على حد سواء. ولذا علق منذ ذاك الحين بذهن الدكتور الموما إليه أن ينشئ لغة جديدة لتزيل بعض الزوال تلك العراقيل والمشاكل التي تؤدي إلى خراب الممالك وانقراض الشعوب والقبائل. وكان يرى بفكره الثاقب ورأيه السديد الصائب أنه يأتي زمان ترتفع فيه اكثر العداوات الجنسية واللسانية كما كان الحال قبل تبلبل الألسنة عندما كان البشر يسكنون معاً في سلام وآمان، وراحة واطمئنان، وأن كنا نرى ذلك مستحيلا الآن، ويكاد يعد من قبيل الترهات والأوهام.

من درس حال الممالك ومسألة اللغات فيها يرى لأول وهلة كيف أن كل أمة عزيزة الجانب نافذة الكلمة تريد أن توسع نطاق لغتها وتنشرها في أطراف المعمورة، فخذ الإنكليزية مثلاً أو الافرنسية أو الألمانية فكل منها تود لو كان في وسعها أن تنتشر وحدها في المسكونة بأسرها وتمسي ملكة مطلقة تخر لعظمتها جميع اللهجات على اختلافها. ولما كانت هذه

الأمور مما يخالف روح الدكتور زمنهوف كل المخالفة كد فكره واسهر جفنه منذ صباه قضاء لهذه الحاجة العظيمة باختراعه لغة مستقلة عن سائر اللغات تمام الاستقلال لتكون بمنزلة دواءٍ شافٍ لهذا الجرح الغير المشوه لجسم المجتمع الإنساني حتى توفق أخيراً لاختراع لغة صناعية سماها الاسبرانتو أي الرجاء وهي علم وعمل للناس طراً وكان الأجدر به أن يدعوها لغة العالم.

<<  <  ج: ص:  >  >>