للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استعمرتها أمم عديدة واحتلتها دول كبيرة فلم تؤثر فيهم كثرة اختلاطهم بالأمم والشعوب، لا بل لم تغير شيئاً من عاداتهم اللهم ألا بعض أمور طفيفة لا يعتد بها لعدم شمولها جميع قطان القطر العراقي وهو أمر يدلك على شدة تمسكهم بها ويثبت لك ذلك.

بيد أنك بينما تراهم شديدي التمسك بتلك العادات ضارة كانت أم نافعة؟ مخالفة لآداب الديانات أم موافقة لها، تجدهم أسرع الناس تبدلاً وتقليداً للأمم في كل شيء غريب في أزيائهم وقيامهم وقعودهم وأكلهم وشربهم.

ويظهر ذلك لكل من جاءَ بغداد قبل عشر سنوات ولاحظ ما كان عليه أهلوها من السذاجة والبداوة ثم غادرها وقدمها ثانيةً رآها اليوم قد لبست حلة من حلل التمدن، وعلى قطانها من الأزياء الغريبة والأطوار العجيبة ما لم يكن العراقيون يعرفونه سابقاً وكثيراً ما كانوا يستهجنونها ويقبحون من جرى عليها أو استحسنها ولا ريب أنك لو حولت الوجه نحو هذه البلدة قبل إعلان الدستور وتدبرت أزياء العراقيين لوجدت فيهم مميزات فارقة بين اليهودي والمسيحي والمسلم إذ كان لكل علامات أو خصائص تدل عليه. ولو نظرت نظرة في أسواقها الطويلة العريضة وشوارعها وأزقتها لما رأَيت نصرانياً لابساً البرنيطة ألا

المستخدمين في الوكالات والمحلات التجارية الكبرى ممن جابوا بلاد أوربا ونشئُوا في أحضان أساتذة كلياتها وتغذوا بلبان علومها ومعارفها. ولما رأَيت يهودياً لابساً الملابس الإفرنجية على ما هو عليه الآن ألا ما قل وندر، ولما رأيت مسلماً لابساً الطربوش ومتزيياً بالزيّ التركيّ أو الإفرنجي ألا الموظفين في خدمة

<<  <  ج: ص:  >  >>