للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكومة بل لرأيت أكثرهم ولا أقول كلهم على ما كان عليه آباؤهم متمسكين بالملابس العربية وهي لبس العباءَة والعمامة والعقال، فكنت إذا دخلت أسواق بغداد في هاتيك الأزمنة تصورت انك في القرون الوسطى وتجلت لك البداوة والسذاجة بأَجلى مظاهرها وأبهى مناظرها. فلما أعلن الدستور واحتكت الأمة العراقية بالنزالة الأوربية سرعان ما قلدوهم في ملبسهم ومأَكلهم ومشربهم حتى انك اليوم لتعجب كل العجب من هذا التقليد الغير المنتظر وظهر لك الفرق بين الزمانين، ولكن هل ظهر الفرق في عاداتهم وأخلاقهم كما ظهر في أزيائهم وملابسهم؟ كلا، ثم كلا، فأن هاتيك العادات قد استحكمت عراها بمرور الزمن وقوة الاستمرار فتوطدت أركانها، وازداد القوم تمسكاً بها مع وجود طبقة من النابتة الحديثة تحاربها بكل قواها وتنشر الفضيلة بين السكان وتبين لهم أضرار هذه العادات المستهجنة التي ربما قضت على البقية الباقية من أخلاقهم النبيلة، وصفاتهم الجليلة فتقذف بهم من حالق إلى مهاوي الهلاك والدمار.

أنا لا أريد بمقالتي هذه أن أحارب عادات العراقيين وأندد بالمتمسكين بها إذ أن ذلك يحتاج إلى وقت غير هذا الوقت، وقت يعرف فيه الشعب حقيقة الحياة ووظائفه في هذا المعترك ويعي بل ويتدبر ما يقال له. ومن العبث أن يريد رجل عاجز مثلي القضاء على عادات أمة كبيرة، كأُمة العراق بمقالة أو مقالتين أو ثلاث وهي قد استحكمت فيهم منذ عدة قرون

<<  <  ج: ص:  >  >>