للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطبيعة وهي لا تجاريها بمحاكاتها إياها. وإن وجد عشرة كائناتٍ تتزيا بزي ما يجاورها فأن هناك مئات تخالفها لوناً وشكلا وصورة. وحسبك دليلا على ذلك أن تمد نظرك إلى صحراء أو إلى ضاحية لترى كذب هذا المقال.

ثم أن ما قيل في هذا الرأي هو مجرد تحكم خيال القائل الأول وألا أفتتصور أن أعداء هذه المخلوقات تنظر إلى فريستها كما ننظر نحن اليها، وتتوهم فيها الوهم الذي نتوهمه فيها؟ - ننسب إلى الحيوان والنبات حاجات وشواعر لا بل مشاعر وحواس بشرية كأنها أناس مثلنا إلا أنها بصورة مختلفة عن صورتنا؛ فناشدتك الله يا هذا هل أن كلاب البلاد الباردة وثعالبها وذئابها تنظر إلى تلك الأرانب بالعين التي ينظرها بها هذا المفكر. فلو كان كذلك لجاعت وماتت وانقرضت فالظاهر إذاً أن هذا التنكر لا يردعها عم طلب معيشتها، ولا يصدها عن مطاردة طريدتها. - هذا فضلا عن أن الأحياء الدنيا وجراثيم الأمراض الطفيلية لا تتخيل كل هذه الأمور وتجري في أعنتها بدون أن تلتفت إلى صحة هذه التخيلات أو كذبها.

وعلى هذه السنة التي ذكرناها عن الحيوان بنى هؤلاء المتخيلون سنتهم في النباتات أيضاً. فأنهم ذهبوا إلى أن وجود بعض الأشواك والسلاء في طائفة من الأشجار كالعضاه والرتم والاسل والعرفج والقتاد والقرصعنة هو لوقايتها من آكل الحيوانات إياها. يا سبحان الله! فإن كان الأمر كذلك فلماذا الأغصان العالية أغصان تلك الأشجار التي لا تنالها الدواب لا تنبت بدون سلاء. ولماذا لا ينبت سلاء لسائر أنواع النباتات التي تعتلفها الماشية أو ترعاها حتى لا تبيد ولا تنقرض. فمن ثم يتضح أن النبات ليس بإنسان ولا كالإنسان إذ لا

يمكنه أن يتصرف بالأمور على ما يشاء.

أن الباحثين من أهل الخبرة والتجربة قد اثبتوا أن الجو الذي يكثر فيه الماء يزيل السلاء والأشواك ويحيلها أوراقا والجو الذي تقل فيه الماشية أو لا رطوبة كافية في أرضه تنبت تلك الأشواك أو تحيل أوراق الأشجار سلاء. وعليه تكون اليبوسة سبباً لتكوين الأنسجة الليفية ومن هذه تنشأ الأشواك والسلاء ليس إلا. فنشوءها إذاً لمقاومة السائمة أمر عبث لا حقيقة له هذا وهل حقيقة تخاف السائمة تلك الأشواك. فأننا نرى الجمال تأكل العاقول وأنواع الأشواك وتستطيبها وتستمرئها، بل إذا وجد بجانبها أنبتة غير شائكة فأنها تفضل تلك على هذه. فما جواب أصحاب مذهب التحول على هذا الاعتراض. هذا فضلا عن أن أنواع الدود تنفذ إلى قلب الزهرة وتآكل الحبة أو البزرة فتتلف وحدها من حبوب الأشجار وبزورها مالا تتلفه الدابة عند آكلها الورق. فما عسى أن يكون ذلك السلاح الذي تعده تلك الشجرة لتقارع به تلك الدودة. فهل السلاء يمنعها عن العيث؟

يشبه أصحاب هذا المذهب رجلاً رأى ثياب أهل البلاد الحارة واسعة الأكمام والأردن والأذيال

<<  <  ج: ص:  >  >>