للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعه عقيلته واخذ بالحفر والتنقيب وقد فتحا مدفنين متوسطي الحجم ومنذ ثماني أو تسع سنوات زار جماعة من علماء بلجكة البحرين وتفقدوا القبور وفتحوا أحدها ولم يتصل بي نتائج أبحاثهم.

وممن عني بالحفر أيضاً عامل بريطانيا العظمى في البحرين المنكب (اليوز باشي) بريدكس وقد حفر بقرب (قرية علي) واشتغل فيها عدة أسابيع وفعل مثل ذلك في (منامة) وكان قد ضرب له في وسط المدافن خيمة يتردد إليها من وقت إلى آخر. وجمع طائفة كبيرة من الرفات وبعض قطع من العظام البشرية وغيرها من الآثار وقد بعث بها إلى دار التحف في لندن.

كم من أمة طرقت ذلك الطريق الوعر والجادة الموعثة ووقف أبناؤها ونخبة من أفرادها حاسري الطرف مشتتي الأفكار لا يبدون حراكاً لما داهمهم من الاضطراب والقلق بخصوص أسرار تلك المدافن المبهمة فخطوات أقدامهم تردد أمام مخيلتنا القرون المنصرمة ودوي آثار أيديهم ترن في آذان الادهار الغابرة وأحدثهم عهداً بها الإنكليز وقد سبقهم إليها البرتغاليون فالعرب فالفرس فالهنود فالرومان فاليونان فالفنيقيون فالبابليون فالكلدانيون

فأصحاب الرؤوس السود الذين هم أول من مد رواق التمدن والعمران البشري على وجه البسيطة وعليه يكون تاريخ بلاد اليونان حديثاً جداً بالنسبة إلى تاريخ مسقط راس العالم الإنساني ولهذا تحسب مملكة الرومان والصين واليابان والهند من ممالك أمس بجانبه هذا وكم من أمة وقبيلة وشعب ولسان ودولة زالت وانقرضت وأمست في خبر كان وأما تلك المدافن فشاخصة قائمة بعزها ومجدها كما كانت منذ أول بنائها إذا أنياب الدهر ومخالب طوارئ الزمان لم تقو على ملاشاتها وافنائها من على سطح الكرة الأرضية وهي واقفة على أركانها الضخمة تسخر بمرور الأيام وكرور الأعوام فسبحان من بيده البقاء والخلود والفناء والوجود. في كل مكان وفي كل زمان!

رزوق عيسى

<<  <  ج: ص:  >  >>