للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرينة الأولى: أن أول الحديث في الترغيب، والإكثار من الذكر، فينبغي أن يكون مراد أبي بالصلاة المذكورة بعد ذلك الصلاة الذكرية اللغوية، ليكون سؤاله مطابقا لما سأل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بصدده، ويبعد كل البعد أن يريد بسؤاله الصلاة الشرعية، التي هي ذات الأركان، وهو عربي اللسان، عارف بمخالفة ما جاء به سياق الكلام. ومن تتبع كلام العرب، وعرف كيفية محاوراتهم، علم أنهم يراعون في أكاليمهم السياق، ويحرصون على مطابقته، ولا يخرجون عنه إلى غيره.

القرينة الثانية: قوله: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك. فإن المجيء بلفظ: على، بعد الصلاة من أعظم المشعرات بأن مراده بالصلاة الصلاة الذكرية، لا الشرعية؛ لأنه لو أراد الشرعية التي هي ذات الأركان لقال: إني أكثر الصلاة لك؛ فهاتان قرينتان من نفس الحديث.

القرينة الثالثة: ما أخرجه الحافظ أحمد بن معد التجيبي في الأربعين له، في فضل الصلاة على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؛ فإنه قال: وإن جعلت الصلاة على نبيك معظم عبادتك، فقد كفاك الله دنياك وآخرتك، ثم أتى بالحديث [٤]، فإن قوله: وإن جعلت الصلاة إلخ ... مشعر بأنها الصلاة الذكرية، ولو أراد الركنية لقال: وإن جعلت الصلاة لنبيك .. إلخ.

القرينة الرابعة: أن الصلوات الخمس المفترضة أوجبها الله تعالى على كل فرد من أفراد العباد، فمن جعلها لغيره لم يؤد ما افترض الله عليه، فلا يجوز جعلها للخير، فتقرر من هذا أن المراد بالصلاة المذكورة في الحديث هي الذكرية، أعني: الدعاء.

والظاهر أن المراد كل الأدعية؛ لأن لفظ صلاتي مصدر (١) مضاف، وهو من صيغ العموم، فكأنه قال: أجعل كل دعاء أردت أن أدعو به لنفسي لك، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: "إذن تكفى همك .. إلخ".


(١) انظر "اللمع" (ص ١٥)، "الكوكب المنير" (٣/ ١٣٦).