للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منها الهلاك، أو بضرر البدن بمرض، فإن الله- سبحانه- قد نهى عباده عن أن يقتلوا أنفسهم، ونهاهم عن أن يأكلوا أو يشربوا ما يضر بأبدانهم، فهذا الجنس من المأكول والمشروب ليس مما أذن الله بأكله أو شربه، بل مما نهى عنه عباده، وليس مسألة السؤال من هذا القبيل، فإن المفروض أن الرجل الذي وقع السؤال عنه قد صار معتلًا بتلك العلة ولا يحصل باستعمال هذا النوع المسؤول عن أكله وشربه إلا مجرد الزيادة.

وقد عرفت أنه لا فرق بين أن يكون الخارج مطبقًا كثيرًا، أو يأتي في وقت دون وقت، ولكن لا يكون وقت انقطاعه معلومًا عنده، أما لو كان الرجل صحيحًا ليس به علة السلس (١) لكنه إذا استعمل نوعًا خاصًا من المأكول والمشروب حدثت به هذه العلة فلا يبعد أن يقال: إن كان يجد غير هذا المأكول والمشروب بدون مشقة عليه في تحصيله على وجه لا يكون آثمًا به فاجتنابه واجب عليه، لأنه قد حصل ضررًا في بدنه [٦أ] ومرض حادث عليه.

وأما إذا كان لا يجد إلا هذا النوع الذي يحدث به هذه العلة، ولا يجد غيره، وقد أجاز الله المضطر الانتفاع أكلًا وشربًا بما حرمه عليه تحريمًا منصوصًا عليه، معلمًا بالدليل الصحيح كما في قوله- سبحانه-: {إلا ما اضطررتم إليه} (٢) فجواز الأكل أو الشرب لما هو حلال في أصله، ولكنه يحدث به في البدن مثل ذلك الحادث ثابت بفحوى الخطاب (٣)، وهو مما وقع الاتفاق بين أهل العلم على العمل به، حتى وافق في


(١) قال النووي في «المجموع» (٢/ ٥٥٩) سلس البول هنا بكسر اللام وهي صفة للرجل الذي به هذا المرض، وأما سلس بفتح اللام فاسم لنفس الخارج فالسلس بالكسر كالمستحاضة وبالفتح كالاستحاضة.
وقال في «اللسان» (٦/ ٣٢٤): سلس بول الرجل إذا لم يتهيأ أن يمسكه وفلان سلس البول إذا كان لا يستمسكه.
(٢) [الأنعام: ١١٩].
(٣) تقدم التعريف به.