للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقول: أما الحكم بصحة الحديث فغير مسلم، فإن عبد الرحمن بن مغراء ليس من رجال الصحيح، وأما الحكم بأن الحديث حسن فإن كان المراد بذلك أنه من قسم الحسن لغيره باعتبار ورود الحديث من طرق أخر كما سنوضحه فمسلم، وإن كان المراد أنه من قسم الحسن لذاته ففيه إشكال؛ فإنه لا فرق بين الحسن لذاته، والصحيح إلا مجرد كمال الضبط وتمامه في الثاني دون الأول، فهو مجرد وجود الضبط المتصف بكونه خفيفا فقط، فإن حد الصحيح هو ما اتصل إسناده بنقل عدل تام الضبط من غير شذوذ ولا علة قادحة (١)، وحد الحسن لذاته هو ما اتصل إسناده بنقل عدل ضابط ضبطا غير تام، من غير شذوذ ولا علة قادحة (٢).

وهذا الحديث لا ينتهض لإدراجه في حد الصحيح، ولا في حد الحسن لذاته، ولهذا قال الحافظ الذهبي في المهذب (٣) على البيهقي ما لفظه: قلت: هذا خبر منكر تفرد به عبد الرحمن بن مغراء وليس بحجة. انتهى. قال: المناوي (٤) بعد أن نقل كلام الذهبي: إن ثبات الحكم بصحته لا يصار إليه انتهى. قلت أنا: وهكذا أيضًا إثبات الحكم بكونه حسنا لذاته لا يصار إليه [١ب]، لما تقرر عند أهل الفن من أن حديث من ليس بحجة لا يصح وصفه بكونه لذاته، فمن أي قسم يكون؟ هل من قسم الحسن لغيره، أم من قسم الضعيف؟ قلت هو لو لم يرد في معناه غيره من قسم الضعيف، فلما ورد في معناه حديث (٥) موسى الجهني مرفوعًا كما ذكره السائل، وكذلك سائر ما حكاه عن الصحابة في السؤال، وهو مما ليس للاجتهاد فيه


(١) انظر " تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي " (١/ ٤٧ - ٥٨).
(٢) انظر " شرح ألفية السيوطي في الحديث " (١/ ٦٣ - ٦٧).
(٣) أي " المهذب في اختصار السنن الكبير " (٢/ ٤٠٠ رقم ٣١٢٤).
(٤) في " فيض القدير شرح الجامع الصغير " (١/ ١٤٥).
(٥) تقدم تخريجه وهو حديث ضعيف.