للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والظاهر من لغة العرب، ومن اصطلاح الشرع أن ما صرح الشارع بنفي صحته، أو بنفي جوازه، أو بنفي قبوله، فهو غير معتد به , ولا عتبر، ولا مسقط للطلب، وهكذا ما صرح الشارع بنفيه كقوله مثلا " لا صلاة لمن فعل كذا، أو لا صلاة لمن ترك كذا " إذا لم يرد ما يفيد صرف ذلك النفي إلى الفضيلة والكمال، فإن الظاهر أن هذا النفي يتوجه إلى الذات الشرعية، ولا اعتبار بالذات الموجودة في الخارج، لأنها ذات غير شرعية.

وبهذا يتضح لك عدم صحة قول من قال: إن النفي لا يصح أن يتوجه إلى الذوات، لأنها قد وجدت في الخارج، بل إنما يتوجه إلى الصحة أو إلى الكمال، وهما مجازان، وأقرب المجازين توجهه إلى الصحة، لأنه يلزم من عدمها عدم صحة الذات، وإنما قالوا هكذا لأنهم ظنوا أن الذات إذا قد وجدت في الخارج لم يصح نفيها.

ونحن نقول: ليس هذا النفي متوجها إلى مطلق الذات حتى ينافي وجود الذات في الخارج. بل هو متوجه إلى الذات الشرعية وهي لم توجد في الخارج، وإنما وجد في الخارج ذات غير شرعية.

نعم ومن جملة ما يفيد عدم الصحة الشرعية النهي عن فعل الشيء إذا كان النهي متوجها إلى ذاته، أو إلى جزئه، لا إذا كان متوجها إلى أمر خارج عنه، فإن ذلك لا يفيد عدم صحة تلك الذات ... وإذا عرفت هذا كما ينبغي، عرفت ما يوجب بطلان العبادة من الأدلة، وما لا يوجبها. وقد أوضحت هذا المعنى، وقررته في مؤلفاتي (١) تقريرا


(١) انظر " نيل الأوطار " (٢/ ١٣٢ - ١٤٠). " وبل الغمام " (١/ ٢٥١ - ٢٥٢).
وقال الشوكاني في " السيل الجرار " (١/ ١٥٨): " لأن مجرد الأوامر فغاية ما يدل عليه الوجوب، والواجب ما يستحق فاعله الثواب بفعله والعقاب بتركه، وذلك يستلزم أن يكون ذلك الواجب شرطا، بل يكون التارك آثما، وأما أنه يلزم من عدمه العدم فلا.
وهكذا يصح الاستدلال على الشرطية بالنهي الذي يدل على الفساد والمرادف للبطلان إذا كان النهي عن ذلك الشيء لذاته. أو لجزئه، لا لأمر خارج عنه، إذا عرف هذا علمت أن طهارة البدن من الحدثين الأصغر والأكبر شرط لصحة الصلاة لوجود الدليل المقيد للشرطية، وأما طهارته من النجس فإن وجد دليل يدل على أنه لا صلاة لمن صلى وفي بدنه نجاسة , أو لا تقبل صلاة من صلى وفي بدنه، أو وجد نهي لمن في بدنه نجاسة أن يقرب الصلاة وكان ذلك النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان، صح الاستدلال بذلك عن كون طهارة البدن عن النجاسة شرطا لصحة الصلاة، وإلا فلا، وليس في المقام ما يدل على ذلك ".
ثم قال الشوكاني في " السيل الجرار " (١/ ٣٧٧): " لا شك أم من صلى في مكان مغصوب أو استعمل شيئا مغصوبا فقد فعل محرما ولزمه إثم لحرام، وأما كون ذلك يمنع من صحة الصلاة فلا بد فيه من دليل خاص كما قدمنا ...
وما قيل من أنه عصى بنفس ما به أطاع فغير مسلم، ولو سلم لم يكن دليلا على عدم صحة الصلاة المفعولة في المكان المغصوب ".