للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثاني: أنه قد ثبت عنه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: النهيُ عن موضع الكلأ من حديث أبي هريرة أنَّ النبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ قال: "لا يمنعُ الماءُ والنارُ والكلأُ" (١) وما في معناه.

الوجه الثالثُ: لأنه قد ثبت عنه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ المنعُ من الحِمى لما ثبت من حديث الصَّعبِ بن جثامةَ: أنَّ النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ حَمَى النقيعَ بالنون، وقال: "لا حمى إلا لله ولرسوله" (٢).

الوجه الرابع: أنه قد ثبت عنه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "من سبقَ إلى ما لم يُسْبَقْ غليه فهو له" (٣) أخرجه أبو داودَ.

فنقول: نعم هذه النصوصُ صحيحةٌ دالةٌ على تحريم التحجُّرِ على العموم، ولكنَّ دلالةَ العامّ عند أهل الأصول ظنيةٌ، ولهذا خُصِّصَ تخصيصًا ظاهرًا متصلاً لقوله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ: "لا حمى إلا لله ولرسوله" (٤) فالذي فهمنا من نصِّه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ أنه لدفع الضر الحاصلِ بالمنع، فإذا زالتِ العلةُ جاز التحجُّر والمنعُ. وقد فهِمَ عمر بن الخطاب هذا لأنَّه حمى شرف الرَّبذة للمصلحة العامة أعني خيلَ المجاهدين والربذة.

وعن أسْلَمَ مولى عمر أنَّ عمرَ استعملَ مولى له يُدْعى هنيًّا على الحِمى فقالَ: يا هنيُّ [١ب] أُدْخِلُ ربَّ الصريمةِ، وربَّ الغنيمةِ وإياي، ونُعْمَ بنَ عوف، ونُعْم بنَ عفان، فإنَّهما إن تهلكْ ماشيتُهما يرجعان إلى نخل وزرع، وربُّ الصريمة وربُّ الغنيمةِ إن تهلكْ ماشيتُهما يأتينني ببينةِ يقول: يا أمير المؤمنين: أفتارِكُهم أنا؟ لا أبا لك إلى آخر كلامه" أخرجه البخاريُّ (٥). وقوله الصريمةُ والغنيمةُ يريد صاحبَ الإبلِ القليلةِ والغنمِ القليلةِ،


(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٣٧٠) وطرفه ي رقم (٣٠١٣) وأبو داود رقم (٣٠٨٣، ٣٠٨٤) وأحمد (٤/ ٣٧، ٧١، ٧٣). وهو حديث صحيح.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) في صحيحه رقم (٢٣٧٠) وقد تقدم.