للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يدفع ضررًا بل هي مظنَّة لجلب الضَّرر، ومنع النفع كما حققنا ذلك في الرسالة.

وأما خروجه ـ كثر الله فوائده ـ إلى ذكر الضروريات الخسم المعروفة (١) عند أهل الأصول فتلوُّنٌ في البحث، وأين ما نحن بصدده من ذاك؟ وكيف يكون ضربُ الحدود بين البلدان الذي هو سبب إثارة الفتن، وإراقة الدماء مما دعت إليه حاجةٌ ضروريةٌ! وما في ترك الناس على هذه [٣ب] الشريعة الواضحةِ الغراء من ضررٍ! وأيُّ ضرر في شيء شرعه الله لأمته؟ وما املنفعةُ في حَجْرِ أهل هذه القرية عن الكلأ الذي أباحه الله لهم، وحجر أهل القرية الأخرى عن الكلأ المباح بالشريعة المحمَّدية؟ فقد رأينا وسمعْنا أن جميعَ المواضع المشتركة في الكلأ لا يحدُثُ بينهم عُشْرُ معشار ما يحدث بين من ضُرِبَتْ بينهم الحدود، وما أبعد دعوى الحاجة الضرورية التي يعلم كلُّ عاقل خلافَها، وأين الضرورةُ من هذا؟ فيا لله العجبُ أيعيش الناسُ من زمن النبوة إلى بعد ألفِ سنةٍ من ذلك مشتركينَ في الكلأ، عاملينَ بالشريعة الغراء المطهَّرة حتى أوجد الله بعد الألف رجلاً ليس عنده من علوم الاجتهاد نقيرٌ ولا قِطْميرٌ يقال له الشكايذي، فجاء للناس بما يخالفُ الشريعةَ وينافيها، ثم سَرَتْ بدعتُه حتى طبَّقتِ الأقطار اليمنية، وجاء بعده من الحكَّام جماعةٌ هم دون طبقتِه في معرفة المسائل الفقهيةِ فقلَّدوه في ما جاء به من المخالفة البحتةِ للشريعة المطهَّرة، فقامت الفتنُ على ساق، واشتغل صاحب كلِّ محلٍّ بمن يقاربه ممن


(١) وهي ١ - حفظ النفس بشرعية القصاص فإنه لولا ذلك لتهارج الخلق واختلَّ نظام المصالح.
٢ - حفظ المال بأمرين: أحدهما: إيجاب الضَّمان على المتعدي فإن المال قوام العيش، وثانيهما القطع بالسرقة.
٣ - حفظ النسل بتحريم الزنى وإيجاب العقوبة عليه بالحد.
٤ - حفظ الدين بشرعية القتل بالرِّدة والقتال للكفار.
٥ - حفظ العقل العقل بشرعية الحدِّ على شرب المسكر فإن العقل هو قوام كل فعل تتعلق به مصلحةٌ فاختلاله يؤدي إلى مفاسد عظيمة.
وانظر: "البحر المحيط" (٥/ ٢٠٨ - ٢١١). "الكوكب المنير" (٤/ ١٦٦).