للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأعمال.

فإن قلتَ: إذاكان معنى الحديثِ باللفظ المذكور هو ما ذكرتَِ، فهل يكون محمولاً باعتبار لفظه الآخر الذي ساقَه المستدلُّ به حاكيًا له عنا لترمذي من حديث أنس قال: كان أخوان على عهد رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فكان أ؛ دُهما يحترفُ وكان الآخر يلزمُ رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ويتعلَّم منه، فشكى المحترفُ أخاُ إلى رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ فقال: "لعلكَ به تُرْزَقُ" على ما حُمِلَ الحديثُ الأولُ؟.

قلتُ: لا؛ فإن الروايةَ ليس فيها ما يدلُّ على اشتراكٍ أصلاً، ولا ما يشعر بربح، ولا مُكْتَسَبٍ، بل غاية ما فيها أن أحدَ الأخوين كان يعاني المعاشَ، ويلازمُ الاكتساب فيما يسدُّ فاقَتَهُ هو وأخوه [٦أ]، ويقومُ بما يحتاجان إليه مع من يَعُولانِ، فشكى القائم بالحرفة المشتغل بالمعاش إلى رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ طالبًا منه أن يُلْزِمَ أخاه يعاونَه في تحصيل ما يحتاجان إليه، ويجعلَ لنصيبه من الدنيا وحصّتِه من أسبابا الرزق نصيبًا من أوقاته، فرغَّبه رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ترغيبًا لا حَتْمَ فيه، ولا إلزامَ بأن يدع أخاه يلزمُ رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ويُفَرِّغَ نفسه للآخرة، معللاً ذلك بأنه قد يكون مجلبةً للرزق، قائلاً ذلك على طريق الترجي، قائمًا مقامَ الترغيب، فليس فيهذا من الدلالة على نوع من أنواع الشِّرَك شيءٌ، لا شِرَكُ المكاسب، ولا الشركةُ العرفية كما لا يخفى علىمن له فهمٌ لفقد ماهية كلّش واحدة منها، أما ماهية شِرَكِ المكاسب الأربع فظاهرٌ، وأما ماهيةُ الشركةِ العرفية ولا وجودَ للمكافأة في الأعمال، بل غايةُ ما فيه الترغيبُ للقادرِ على الكسبِ المتصدِّي له أن يدعَ مَنْ كان مشنْ قرابته مشتغلاً بالطاعةِ، ويقومَ بما يحتاجُ إليه من النفقة، وما يتبعُها؛ فإن ذلك باب الصِّلَةِ لِرَحِمِهِ، والإعناة لطالب الخير على مطلبه.

فإن قلتَ: قد تعقَّبْتَه بما تكلَّم به المتأخرونَ على الشركة العرفية بهذه التعقبات، وأوضحت عدم انطباق بعض منه على محلِّ النزاع، وخروج البعض الآخر عن دائرة