للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد احتجَّت الشافعيةُ على جواز فعلِ ذواتِ الأسباب في أوقات الكراهة بحديث أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صلّى بعد العصر ركعتي الظهر (١)، وهو مع كونه أخصّ من الدعوى لا ينتهض للاحتجاج به على المطلوب، لِما ثبت عند أحمدَ (٢) وغيرِه (٣) أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لمّا قالت له أمّ سَلَمَة: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ [٤] قال: لا ففي ذلك إشعارٌ بأن فعلَهما في ذلك الوقتِ مختصٌّ به (٤) ولو سُلِّم عدمُ الاختصاص لَما كان في ذلك إلا جوازُ قضاء سنة الظهر لا جوازُ جميع ذوات الأسباب، فيقتصِرُ على ذلك.

فإن قيل: لم لا يُلْحق بقيةُ ذواتِ الأسبابِ بهاتين الركعتين ويُخصَّصُ عمومُ النهي بهذا القياس؟.

قلنا: بعد تسليمِ صحّةِ هذا القياس (٥) يصلحُ للتخصيص عند من جوّز التخصيص به، ولكن الشأن فيما قدمنا من الدليل القاضي بالاختصاص به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وحديثُ أمِّ سَلَمَة، وإن ضعّفه .................................


(١) أخرجه البخاري رقم (١٢٣٣) ومسلم رقم (٢٩٧/ ٨٣٤) وأحمد (٦/ ٣١٣) وأبو داود رقم (١٢٧٣) وفيه: قال: "يابنة أبي أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر وإنّه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين بعد الظهر فهما هاتان".
(٢) في "المسند" (٦/ ٣١٥).
(٣) كابن حبان رقم (٦٢٣ ـ موارد) وأبو يعلى في "مسنده" (١٢/ ٤٥٧ رقم ١٥٠/ ٧٠٢٨) بإسناد صحيح.
وذكره الهيثمي في "المجمع" (٢/ ٢٢٣ - ٢٢٤) وقال: قلت: هو في الصحيح خلا قولها: أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال "لا" رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه. ورجال أحمد رجال الصحيح.
(٤) ودليله ما أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (٥٩٣) ومسلم رقم (٣٠١/ ٨٣٥) من حديث عائشة قالت: "وما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيني في يومٍ بعد العصر إلاَّ صلى ركعتين".
(٥) ذهب الجمهور إلى جواز التخصيص بالقياس وقال الرازي في المحصول (٣/ ٩٦) وهو قول أبي حنيفة والشافعيُّ ومالك وأبي الحسين البصري والأشعري وأبي هاشم أخيرًا.
انظر: "إرشاد الفحول" (ص٥٢٥)، "المسودة" (ص١١٩).