للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كالأصباغ التي تكون في شيء من الجوخ هي أقنى وأزين من المعصفر إن لم تزد عليه لم تنقص. والشافعية اقتصروا عليه ولا وجه لذلك؛ لأنه لا خصوصية للمعصفر، فيتعدى الحكم بالقياس بعدم الفرق.

وأحاديث كراهة الحمرة كقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: " ألا إن هذه الحمرة قد علتكم " (١) تقوي التعميم، غايته أن المحقق المشبع كما ذكره المصنف، وقد مر في الصلاة ما هو أبسط من هذا. انتهى كلامه (٢).

وأقول هذا مبني على ما ذكره ابن القيم (٣) من التأويل في الحلة الحمراء التي لبسها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كما تقدم، وقد عرفت عدم صحته، والمقبلي - رحمه الله - قد قلده في ذلك، ونقل كلامه في كتاب الصلاة من حاشية المنار (٤)، فاستراح بذلك من الأحاديث الواردة في الصحيح وغيره أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لبس الحلة الحمراء والثوب الأحمر كما سلف؛ ولهذا رجح العمل بالقياس لما فيه من حمرة من الثياب مطلقًا على ما كان منها مصبوغًا بالعصفر، ولا يتم ذلك على ما قررنا من أن المعنى الحقيقي لما وصفه [١٢] الصحابي بالحمرة هو أن جميعه أحمر لا بعضه. وأيضًا ما كان البعض منه أحمر منهيًا عنه كما اعترف به ابن القيم (٥).

ولا يخفى أن إلحاق كل ما كان أحمر بما كان معصفرًا استلزم على ذلك التقرير إهدار الأحاديث الواردة بلبسه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - للأحمر أو التكليف لدعوى الاختصاص به، وكل ذلك غير مناسب، أما الأول فلا شك أن اطراح دليل صحيح بدليل آخر دونه في الصحة أو مثله بلا مرجح مما لا يقع فيه منصف، وعلى تسليم وجود المرجح كأن


(١) تقدم تخريجه.
(٢) المقبلي في " المنار " (٢/ ٢٦٦).
(٣) في " زاد المعاد " (١/ ١٣١).
(٤) " المنار " (٢/ ٢٦٦).
(٥) في " زاد المعاد " (١/ ١٣١).