للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كائنًا من كان، وما استلزم الباطل باطل، وأيضًا ذلك يستلزم باطلا آخر هو أن يكون حكم الله في الحادثة متناقضًا؛ فإنه إذا ذهب بعض أهل العلم إلى أن عينًا من الأعيان الموجودة في الخارج حلال، وذهب آخر إلى أنها حرام كان حكم الله في تلك العين بأنها حلال، وبأنها حرام وهذا باطل، وما استلزم الباطل باطل.

مثلا قد قال بعض أهل العلم بأن الخيل والضبع (١) يحل أكلهما، وقال آخر، إنه يحرم، فيكون حكم الله في الخيل أنها حلال حرام، وحكم الله في الضبع أنها حلال حرام، وهذا بمكان من الفساد لا يخفى على عارف، ولو لم يثبت في دفعه إلا الحديث الصحيح الوارد من طرق كما بيناه سالفًا: " إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن اجتهد فأصاب فله أجران " (٢) أو " عشرة أجور " (٣)؛ فهذا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يصف المجتهد بأنه يكون تارة مخطئًا، وتارة مصيبًا، فكيف يتقول على الله وعلى رسوله متقول فيقول: إنه مصيب دائمًا، وأن حكم الله تابع لاجتهاده! مع أن القائلين بتصويب المجتهدين لم يقولوا: إنه مصيب من الإصابة المنافية للخطأ، بل قالوا: إنه مصيب من الصواب الذي لا ينافي الخطأ، وإنما كان صوابًا لكونه يؤجر عليه، وإن كان خطأ كما في الحديث المذكور، ولهذا قال [١٢ب] بعض المتكلمين على هذه المسألة: إن القائل بأنه مصيب من الإصابة قد تشبه في مقالته هذه بالفرقة الموسومة بالعندية (٤)، فإنهم يعتبرون ما عند كل واحد منهم بمجرد الدعوى مثلا إذا قال الرجل لواحد منهم: أنت موجود قال: لست بموجود، فإذا قال: فما هذا الشبح الذي أراه شاغلا للحيز، وأجده عند اللمس، وأسمع حسه؟ قال له: أنا موجود عندك غير موجود عندي، فلا يلزمني ما عندك كما لا يلزمك ما عندي، فهذه أحد الفرق الثلاث المشهورة


(١) انظر الرسالة رقم (٧١).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) انظر " مقدمات في الأهواء والافتراق والبدع " (١/ ٤٣ - ٤٦). الدكتور. ناصر بن عبد الكريم العقل \ دار الوطن الرياض ط٢.