للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكم للمجني عليه على الجاني لا ينطبق على محل النزاع، ولا يدل عليه بمطابقة، ولا تضمن، ولا التزام، وإن كان المراد الاستدلال بهذا الدليل على جواز أخذ مال هؤلاء المساكين ظلمًا وعدوانًا، وهو محل النزاع، والذي نحن بصدده، فأين هذا من ذاك؟ وكيف يستدل بهذا الدليل على ذلك المدلول من ينسب إلى عقل، فضلاً عن من ينسب إلى فهم، فضلاً عن من ينسب إلى علم!.

أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا تورد يا سعد الإبل (١)

يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ... ومنهج الحق له واضح

الوجه الثاني: هو - عافاه الله - قد اعتمد في هذا الاستدلال بهذا الحديث على ما تكلم به ابن القيم في الأعلام (٢)، فإنه قال فيه ما نصه، فإن قيل: كيف أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - برجم المغيث من غير بينة ولا إقرار! قيل: هذا أدل الدلائل على اعتبار القرائن، والأخذ بشواهد الأحوال في التهم، وهو يشبه الحدود بالرائحة والقيء كما اتفق عليه الصحابة. وإقامة حد الزنا بالحبل كما نص عليه عمر، وذهب إليه فقهاء أهل المدينة وأحمد في ظاهر مذهبه، وكذلك أنه يقام الحد على المتهم إذا وجد المسروق عنده، فهذا الرجل لما أدرك وهو يشتد هربًا، وقالت المرأة: هو الرجل الذي فعل بي، وقد اعترف بأنه دنى منها وأتى إليها، وادعى أنه كان مغيثًا لا مريبًا، ولم ير أولئك الجماعة غيره، كان هذا من أظهر الأدلة على أنه صاحبها، وكان الظن المستفاد من ذلك لا يقصر عن الظن المستفاد من شهادة البينة، واحتمال الغلط، أو عداوة الشهود كاحتمال الغلط أو عداوة المرأة هنا، بل ظن عداوة المرأة في هذا الموضع


(١) يضرب مثلاً للرجل يقصر في الأمر إيثارًا للراحة على المشقة والمثل لمالك بن زيد مناة بن تميم وقد كان آبل أهل زمانه، ثم إنه تزوج وبنى بامرأته، فأورد الإبل أخوه سعد ولم يحسن القيام عليها والرفق بها فأنشد مالك ...
" مجمع الأمثال " للميداني (١/ ١٤٨ - ١٤٩).
(٢) " أعلام الموقعين " (٣/ ٩ - ١٠).