للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جلسائه: هذا فلان إذا رأى إناء من الخمر، بيد أحد من الناس كسره، وإذا رأى منكرًا غيره، فأمر من يدخله إلى مجلسه، ثم قال له: أنت تنكر على الضعفاء من الناس ما تراه من المنكرات، وتكسر ما تجده عندهم من أواني الخمر، وهذه عندنا من الأواني ما تراه، فهل تستطيع أن تغير ذلك علينا؟ فقال له: أنا ضعيف أنكر على مثلي من الضعفاء لقدرتي على ذلك، وأما أنت يا سلطان فكما قال الله عز وجل: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا} (١) فبكى السلطان [٥أ] وقال: وأنا أيضًا، فأنكر علي، وقم وارم بهذه الأواني من هذه الطاقات. فقام، ورمى بها، وتاب السلطان، فلم يعد إلى شيء مما كان عليه.

فإذا عرفت أن للسلاطين تلك المحاسن، وتلك المساوئ، ونظرت إلى ذلك بعين الصواب، علمت أن فيه من خصال الخير ما نفعه لك ولغيرك، أكثر من الضر، وقد عرفت ما يقوله أهل الفقه وغيرهم أن محبته لخصال خير فيه مما لا بأس به، فإذا كانت هذه المحبة جائزة، فكيف لا يجوز ما هو دونها من الاتصال بها لأحد الأسباب المتقدم ذكرها؟ مع كون المتصل به على الرجاء بأن يقبل منه موعظة، أو يترك بعض ما يفارقه حياء منه، فإن منزلة العلم والفضل لها من المهابة في صدر كل أحد، والتعظيم لها، والحشمة منها ما لا يخفى إلا على بهيمي الطبع، ولا ينكر ذلك إلا مسلوب الفهم.

وعلى كل حال فمواصلته لتلك الأسباب لا يتردد أحد في جوازها، بل قد تكون في بعضها حسنًا، بل قد تكون واجبًا إذا لم يتم الواجب إلا به، أو لم يندفع المحرم إلا به، وهذا لا يخفى على أدنى الناس علمًا وفهمًا. والممنوع هو مواصلته لا لمصلحة دينية تعود على فرد من أفراد المسلمين، أو أفراد، إذا ترتب على ذلك مفسدة، فكيف وقد ثبت في الكتاب العزيز الأمر بطاعة أولي الأمر، وجعل الله أولي الأمر وطاعتهم بعد طاعة الله


(١) [طه: ١٠٥ - ١٠٧].