للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشعر، وما يذمونه ويعبرون به، وخلعائهم بل ألا تراهم كيف يهجون به! وكيف يعير الشعراء (١) الفرزدق ونحوه بذلك:

تدليت تزني من ثمانين قامة ... . (٢)

ولا هجى إلا بما فيه نقيصة، بل وقد يعارض أيضًا بمثله في النساء اللاتي لا يحتشمن كمن رمت نفسها بالصالحين من المومسات وغيرهن، كامرأة العزيز (٣)، وصاحبة الراهب (٤)، وصاحبة قارون، وغير ذلك، فمثل حال من ذكر لا يلتفت إليه، ولا يستدل لعدم نقيصة الزنا في مطلق الرجال، ولا يتمشى إلا كما قلنا بتفاوتها في المرأة والرجل، وقد عرفت أن تفاوت المناسب لا يضر إذا ضبط بمظنة ظاهرة. وقد ضبط بمطلق قذف الزنا، وحينئذ تعرف كمال أركان القياس (٥) وأن الأصل المرأة، والفرع الرجل، والجامع أن النساء شقائق الرجال، والحكم الجد، والعلة القذف بالزنا، والحكمة الزجر والصيانة للعرض، وأنه لو سلم بخلفها في الرجل لم يختل القياس، إذ في مثل هذا لا يضر كسر الحكمة، وتعرف أنه لا فرق بينه وبين قياس النبيذ على الخمر في التحريم بعلة السكر، في أن الخمر أصل والنبيذ فرع والعلة السكر والحكمة الزجر لحفظ العقل، والحكم التحريم كالخمرة، وهذا ظاهر قصدنا به إيضاح كون العبرة بالمظنة، وإن اختلفت الحكمة والمناسب فتأمله.

نعم ولا يقال: إنه قياس في الأسباب، فيحصل الغلط، لأن السبب هاهنا والعلة


(١) وهو من شعر جرير، " شرح ديوان جرير " (ص ٥٦٠) حيث يقول:
لقد كان إخراج الفرزدق عنكم ... طهورا لما بين المصلى وواقم
تدليت تزني من ثمانين قامة ... وقصرت عن باع العلى والمكارم
(٢) انظر تمام البيت في التعليقة السابقة.
(٣) انظر سورة يوسف.
(٤) تقدم ذكرها.
(٥) انظر: " إرشاد الفحول " (ص ٦٧٧).