للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والرَّوث منها في ذلك الشيء الذي تدوسه، فإن لم يحصلْ للإنسان إلا مجرَّدُ هذه المظنة فلا يجوز له أن ينتقل عن الأصل بها لأن المظنَّةَ هي محلُّ الظنِّ أعمُّ من أن يكون صحيحًا أو غيرَ صحيح، والانتقالُ عن ذلك الأصل إنما يكون بالعلم اليقيني عند جميع أهل العلم. ومن سوَّغ الانتقال بالظنِّ المقارِب للعلم فلكونه جعلَه لاحقًا بالعلم، ومن جوَّز الانتقالَ بخبر العدلِ الذي لا يُستفاد منه العلمُ فلكونه ورد الدليلُ العامُّ بالتعبُّد بأخبار العدلِ في مسائلِ العبادةِ ولم يردْ ما يدل على جواز العلم بمجرَّد كون الشيء محلًّا للظنِّ ولا سيما في النقل عن الأصل والبراءة المعتضدينِ بأقوال الشارعِ وأفعالِه، فمن رأى زرْعًا يداسُ بدوابِّ لا يؤكل لحمُها فلا يحلُّ له أن ينتقلَ عن طهارةِ شيء من ذلك، بل الحبُّ والكُدُسُ (١) طاهرانِ ولا أظنه يخالفُ في هذا مخالفٌ من علماء الإسلام.

وأما إذا شاهدَ البولَ والرَّوثَ خارجًا من الدابة التي لا تؤكلُن واقعًا على مجموع الكُدُسِ والحبِّ اللذين يُداسانِ فاعلمْ أن من الجائز أن يكون ذلك الخارجُ واقعًا على الكُدُسِ وحدَه. وهذا هو الظاهر لكونه مثلَ الحبِّ أضعافًا مضاعفةً، ولكونه أيضًا يكون عن الدياسِ مرتفعًا وأما الحبُّ فإنه إذا خرجَ من سنابلهِ انحطَّ إلى تحت الكُدُسِ والحبِّ، ويأخُذ كل جنس حصَّتَه على مقدارِ كَثْرَتِه وقلَّتِهِ ومن الجائز أيضًا أن يكون واقعًا على الأرض عن انحفارِ الكدسِ والحبِّ، وإن كان ذلك نادرًا وهذا إنما هو باعتبار البولِ. وأما الروثُ فقد شاهدنا كثيرًا ممن يدوسُ يتلقَّف ذلك قبل وصوله إلى الأرض ويرمي به خارجًا وإذا وقع شيء من ذلك على الكدسِ أخذَه وأخذ ما قد لصق به من الكدسِ ورمى به خارجًا، ولا يتركونه يبقى ويتلوَّث بالكدسِ والحبِّ أصلًا.


(١) الكُدُسُ: العرمة من الطعام والترم والدراهم ونحو ذلك والجمع أكداس وهو الكدِّيس يمنية.
"لسان العرب" (١٢/ ٤٥).