للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا من بعدهم، وأنهم جميعا لم ينزلوا باليهود شيئا من الخزي المراد لله، ونحو هذا من اللوازم، فلنقف عند قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (١).

على أنه لا يستفاد من هذه الآية وهي قوله: {لهم في الدنيا خزي} (٢) الأمر لنا بإيقاع الخزي، إنما أمرنا بأوامر أخرى أن نقاتلهم، ونسبي ذاراريهم، ونصطفي أموالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وهم صاغرون، فهذه الآية إنما هي وصف لهم بالخزي، والخزي بالفعل مفارقهم في كثير من الأحوال، ولذا قال القاضي: إن المراد [٩] أنهم أهل لكل فرد من الأفراد الموجبة للخزي، ولم نقض بأنه واجب علينا إنزال كل فرد من أفراد الخزي لهذه الآية.

وأعلم أنه قد بنى - حماه الله - على أن التنكير إما للتكثير، أو للتعظيم أو مجموعهما وأنه لا يصح القصد إلى فرد من أفراد الخزي، أو إلى نوع منه لعدم مناسبته لمقام الوعيد الشديد.

أقول: لا يجوز أن يكون التنكير للنوعية مع إرادة التعظيم، ولا منافاة بين إرادة النوعية والتعظيم، كما صرح به علماء البيان، فيكون معنى الآية على هذا نوع عظيم من الخزي كما قيل في قوله تعالى: {وعلى أبصراهم غشاوة} (٣) ولا مانع من ذلك، وذلك مناسب للمقام، ومعارض لما أيده القاضي - حماه الله - من أن التنكير للتكثير والتعظيم، ومع الاحتمال يبطل الاستدلال لا سبيل إلى القطع بما قاله القاضي، وأن مراد الله ذلك.

قال: الدليل الرابع: قول الله - عز وجل - مخاطبا لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:


(١) [التوبة: ٢٩].
(٢) [البقرة: ١١٤].
(٣) [البقرة: ٧].