للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويعارض أيضًا بأن منع المسلم المحترف بتلك الحرفة يؤدي إلى عدم حفظه للدين، لاختلال حاله بالمنع عن تلك الحرفة، وافتقاره فيشرف، وكاد الفقير أن يكون كافرا، ولذا قرن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الفقر بالكفر بالتعوذ منهما.

وقد نهى عن أجرة الحجامة (١) وأعطى الحجام أجره (٢) فعرف أن النهي للكراهة لما فيها من الدناءة، فإن الحرف الدنية التي يباشر فيها النجاسة على القول بنجاسة الدم تطيب منها الأجرة، وإلا لما أعطاه الأجرة.

قوله: وأما تقريرهم على ذلك يستفسره من هم؟ هل المراد، تقرير المسلمين على التقاط الأزبال؟ أم تقرير اليهود على الإعفاء عنها؟.

قوله: فمناسب (٣) ملغى.

المناسب الملغى ليس بملغى عند مالك، ويحيى بن يحيى الليثي عاقل الأندلس (٤) وإن


(١) أخرج أحمد في "المسند" (٥/ ٤٣٥، ٤٣٦) وأبو داود رقم (٣٤٢٢) والترمذي رقم (١٢٧٧) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (٢١٦٦) عن ابن مسعود: أنه كان له غلام حجام فزجره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كسبه فقال له: ألا أطعمه أيتامًا لي؟ قال: "لا" قال: أفلا أتصدق به، قال: "لا" فرخص له أن يعلفه ناضخه.
وأخرج أحمد في مسنده (٢/ ٢٩٩، ٣٣٢، ٣٤٧، ٤١٥، ٥٠٠) بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن كسب الحجام ومهر البغي وثمن الكلب".
(٢) أخرج البخاري في صحيحه رقم (٢١٠٣) ومسلم في صحيحه رقم (٦٢/ ١٥٧٧) عن أنس قال: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه".
وأخرج مسلم رقم (١٢٠٢) من حديث ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان سحتا لم يعطه".
والأولى الجمع بين الأحاديث بأن كسب الحجام مكروه غير حارم إرشادا منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى معالي الأمور.
(٣) تقدم ذكره.
وانظر: مختصر ابن الحاجب (٢/ ٢٤٢) "الكوكب المنير" (٤/ ١٨٠).
(٤) أفتى به يحيى بن كثير الليثي صاحب الإمام مالك، إمام أهل الأندلس عبد الرحمن بن الحكم نظر إلى جارية له في رمضان نهارا فلم يملك نفسه أن واقعها، ثم ندم وطلب الفقهاء وسألهم عن توبته، فقال: يحيى بن يحيى: صم شهرين متتابعين. فسكت العلماء، فلما خرجوا قالوا ليحيى: ما لك لم تفته بمذهبنا عن مالك أنه مخير بين العتق والصوم والإطعام؟ قال: لو فتحنا له هذا الباب لسهل عليه أن يطأ كل يوم ويعتق رقبة فحملته على أصعب الأمور لئلا يعود.
انظر: الكوكب المنير (٤/ ١٨٠) جمع الجوامع (٢/ ٢٨٤).