للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل ".

فهذا هو حجتهم على تشديد النكير على من كاتب أو خاطب بلفظ سيدي، ونحو ذلك، فاسمع ما نملي عليك مما خطر على البال من الحجج الشرعية، وحضر عند تحرير هذه الأحرف من البراهين المرضية، وذلك [أربع] (١) عشرة حجة:

الحجة الأولى [١أ]: ما صح عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دواوين الإسلام المعتبرة أنه قال: " أنا سيد ولد آدم " فهذا الحديث صحيح (٢) يفيد أنه سيد الأحياء والأموات من بني آدم [١]،


(١) في (ب): ثلاث.
(٢) أخرج مسلم في صحيحه رقم (٣/ ٢٢٧٨) وأبو داود رقم (٤٧٦٣) والترمذي رقم (٣٦١٥) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع ".
وأخرج مسلم في صحيحه رقم (١/ ٢١٧٦) والترمذي رقم (٣٦٠٥) و (٣٦٠٦) وأحمد (٤/ ١٠٧) والطبراني في " الكبير " (٢٢/ ١٦١) وابن حبان رقم (٦٢٤٢) من حديث واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم، فأنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفع ".
قال القرطبي في " المفهم " (٦/ ٤٨): السيد: اسم فاعل من ساد قومه، إذا تقدمهم بما فيه من خصال الكمال وبما يوليهم من الإحسان والإفضال.
وأصله: سَيْوِد؛ لأن ألف ساد منقلبة عن واو، بدليل أن مضارعه يسود، فقلبوا الواو ياء وأدغموها في الياء فقالوا: سيد، وهكذا كما فعلوا في ميت.
وقد تبين للعقل والعيان ما به كان محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيد نوع الإنسان، وقد ثبت بصحيح الأخبار ماله من السؤدد في تلك الدار، فمنها أنه قال: " أنا سيد ولد آدم " قال: " وتدرون بما ذاك؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد " أخرجه مسلم (١٩٤) حديث الشفاعة، تقدم.
ومضمونه: أن الناس كلهم إذا جمعهم موقف القيامة وطال عليهم وعظم كربهم، طلبوا من يشفع لهم إلى الله تعالى في إراحتهم من موقفهم، فيبدؤون بآدم عليه السلام، فيسألونه الشفاعة فيقول: نفسي، نفسي، لست لها، وهكذا يقول من سألها من الأنبياء، حتى ينتهي الأمر إلى سيدنا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقول: " أنا لها "، فيقوم أرفع مقام ويخص بما لا يحصى من المعارف والإلهام، وينادي بألطف خطاب وأعظم إكرام: " يا محمد، قل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع " وهذا مقام لم ينله أحد من الأنام ولا سمع بمثله لأحد من الملائكة الكرام ".