للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخرج ماله إخراجا يعد به مبذرا لا من آثر غيره بأكله أو شربه أو نحو ذلك.

فإن قلت: قد قال صاحب القاموس (١): إن الإسراف التبذير، أو ما أنفق في غير طاعة. وقال في النهاية (٢) إن النفقة لغير حاجة، أو في غير طاعة الله.

قلت: هذا خلط للمعنى الشرعي بالمعنى اللغوي، لأن ملاحظة الطاعة لله من المعاني الشرعية، لا من المعاني اللغوية، والعرب لا تلاحظ ذلك ولا تراه.

ومعنى السرف ثابت معروف عندهم، ولهذا يقول جرير (٣):

أعطوا الهنيدة يجدوها ثمانية ... ما في عطائهم من ولا سرف

فانظر كيف أثبت السرف فيما هو خير عندهم محض، وهو التكرم بالعطاء، وإنما لم يكن المائة الناقة [٤ب] التي معها ثمانية من العبيد يقومون بما تحتاج إليه سرفا، لأنها عطاء ملك من كبار الملوك، ولو كانت عطاء رجل لا يملك غيرها، ولا يجد سواها؛ لكان ذلك سرفا عند العرب كما يفيده كلامهم، ويدل عليه نظمهم ونثرهم، ولم يصب من حمل السرف في هذا البيت على معنى الإغفال، أو على إخطاء موضع العطاء.

فإن قلت: ما ذكره صاحب النهاية (٤)، وصاحب القاموس (٥)، وإن كان فيه خلط المعنى اللغوي بالمعنى الشرعي فهل يدل على أنه لا سرف في الخير كما يقوله من يسمعهم يتجاوزون بذلك؟

قلت: لا، بل معناه أن الإنفاق في غير طاعة الله معدود من السرف، وذلك مسلم، وليس فيه أن الإنفاق في طاعة الله لا يكون سرفا أصلا، فإن هذه العبارة على تسليم أنها معنى شرعي، إنما تناولت الإنفاق في غير الطاعة، ولا تعرض فيه للإنفاق في الطاعة، لا


(١) (ص ١٠٥٨).
(٢) (٢/ ٣٦١ - ٣٦٢).
(٣) انظر: شرح ديوان ابن جرير (ص٣٨٩) شرح محمد إسماعيل عبد الله الصاوي.
(٤) ابن الأثير (٢/ ٣٦١ - ٣٦٢).
(٥) الفيروزآبادي (ص ١٠٥٨).