للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انظر لو أخبرك مخبرٌ أنه طلع جبلاً فرفعتِ الريحُ ثيابه فإنك لا تقول له بعد سماع هذا منه إلاَّ سخنْت عينُك، فكان ماذا؟ فهلا قال هذا القولَ في قول الخنساء (١):

وإنَّ صخرًا لتأتمُّ الهداةُ به ... كأنه علمٌ في رأسه نارٌ (٢)

فانظر إلى ما اشتمل عليه هذا البيتُ من المدح الفائق البالغ إلى أعلا منزلٍ من منازل الفصاحة والجَوْدَةِ والمِدْحَةِ الرائقةِ الفائقةِ، وانظر أين يقعُ قولُ ذاك البائس من ول هذه المرأةِ!، وكم لهذه الأمور من أخواتٍ إذا تدبَّرها المتدبِّر وجدها من تقليد الأصاغرِ للأكابر بدون تفكُّر ولا تدبُّر.

قاله كاتبه ـ غفر الله له ـ. [٢ب].


(١) هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد بن رباح بن يقظة بن عصيَّة بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة (وقيل: نهية) بن سليم بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان بن مضر بن وتكنَّى أم عمرو.
(٢) قتل أخوها لأبيها صخر، وكان أحبهما إليها لأنَّه كان حليمًا جوادًا محبوبًا في العشيرة، كان غزا بني أسد فطعنه أبو ثور الأسدي طعنة مرض منها حولاً. ثم مات فلما قتل أخوها أكثرت من الشعر فمن قولها في صخر:
أعينيَّ جُودَا ولا تجمُدا ... ألا تبكيان لصخر النَّدى
ألا تبكيان الجريءَ، الجميلَ ... ألا تبكيان الفتى السّيدا
طويل النَّجاد عظيمُ الرَّما ... د ساد عشيرتُه أمردا
وأجمع أهل العلم بالشعر أنّه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها.
حضرت الخنساء بنت عمرو السلمية حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال فذكرت موعظتها لهم وتحريضهم على القتال وعدم الفرار وفيها: إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين. وإنكم لبنوا أبٍ واحد وأم واحدة. ما هجنت آباءكم، ولا فضحت أخوالكم فلما أصبحوا باشروا القتال واحدًا بعد واحد حتى استشهدوا.
(الإصابة) (٨/ ١٠٩ ـ ١١٠ رقم ١١١١٢) (ديوان الخنساء) (ص٤٠).