للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اشتمل كلامُهُ السابقُ على خلاصتِه فربَّما ينفق ما ذكره من التطويلِ، وكرَّره من التهويل على بعض الأذهانِ، فسنكتبه هاهنا ـ إن شاء الله ـ، ونستغني في دفع ما قد تقدم دفْعُهُ بالإشارة إلى ما قد تقدم.

فقال ـ رحمه الله ـ بعد كلامه على قول صاحب المطوَّل: اعلم أن القومَ عرفوا التشبيهَ التمثيليَّ بما وجهُه منتزعٌ من متعدِّدٍ ما لفظُهُ: ثم إنَّ هاهنا قصةً غريبة في الاستعارة التمثيليةِ، فلنقصَّها عليكَ أحسنً القصَصِ، لتزدادَ إيمانًا بما ذكرنا، وينكشفَ لك بها مآربُ أخرى في مواضعَ شتَّى ..

قال صاحب الكشاف: ومعنى الاستعلاء في قوله: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى} مثلٌ لتمكُّنهم [٩] من الهدى، واستقرارِهم عليه، وتمسُّكِهم به، فشُبِّهَتْ حالُهم بحال منِ اعتلى الشيءَ ورَكِبَهُ ... وقال هذا الشارح ـ يعنى السعد ـ في حواشيه عليه: قولُه ومعنى الاستعلاء مثلٌ أي تمثيلٌ وتصويرٌ لتمكُّنهم من الهدى، يعني أن هذه استعارةٌ تبعيةٌ تمثيلاً، أما التبعية فلجريانها أولاً في متعلَّق الحرفِ، وتبعيتُها في الحرفِ.

وأما التمثيلُ فلكون كلٍّ من طرفي التشبيهِ حالُه منتزعةٌ من عدةِ أمورٍ، وهذه عبارتُه ..

ثم قال: وأقول: لا يخفى عليك أن متعلَّق معنى الحرفِ هاهنا أعني كلمةَ (على) هو الاستعلاء، كما أن متعلَّق معنى (من) هو الابتداءُ، ومتعلَّق معنى (إلى) هو الانتهاءُ، ومتعلَّق معنى (كي) هو الفرضيةُ على ما صرَّح به في المفتاحِ.

وقد مرت إشارةٌ إليه، ولا يلتبسُ أيضًا أن الاستعلاءَ من المعاني المفردة كالضربِ والقتلِ، ونظائرِهما، وكذلك معنى كلمة (على) مفردٌ، إذ لا يعني به في اصطلاح القومِ إلا ما دلَّ عليه بلفظ مفردٍ، وإن كان ذلك المعنى مركبًا في نفسِه بدليل أن تشبيهَ الإنسان بالأسدِ تشبيهُ مفردٍ بمفرد اتِّفاقًا، وإن كان كلٌّ منهما ذا أجزاء كثيرةٍ.

وقد تقدم في مباحثِ وجهِ التشبيهِ تصريحهُ بذلك، ونبَّهناك عليهِ، ولما صرَّح بأنَّ كل واحد في طرفي التشبيهِ هاهنا حالةٌ منتزعةٌ من عدَّةِ أمور لزمه أن يكونَ كلُّ واحد منهما