للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتحقق لديك ذلك بالنظر في الآثار القاضية به فههنا آية أخرى هي أجل موقعا من تدك، وأقطع لعرف الشك، وأحسم لجرح الحيرة، وأدفع لمنشأ الاستبعاد، وهي عدم تغير طعامك وشرابك مع مرور أزمان العشر من معشار عشيرها يكون في مثله التغير والفساد، وبقاء حمارك حيا سويا بلا علف (١)، ولا ماء دهرا لا يستمسك في مثل أقل قليلة الأرواح بلا قوام.

وقد لوح جار الله (٢) - رحمه الله- في كشافه (٣) إلى أن هذه آية مستقلة لا دليل على طول المدة فقال، وانظر إلى حمارك سالما في مكانه كما ربطته، وذلك من أعظم الآيات أن يعيشه الله مائة عام من غير علف، ولا ماء كما حفظ طعامه وشرابه من التغير انتهى.

وهذا على تقدير أن الحمار كان عند بعث ذلك المار حيا كما ذهب إليه بعض أئمة (٤) التفسير، وعلى تقدير أن عظامه عند ذلك قد تفرقت ونخرت، كما ذهب إليه البعض (٥)


(١) ذكره الألوسى في تفسيره (٧/ ٢٣).
(٢) أي الزمخشري.
(٣) (١/ ١٥٧)
(٤) أخرج ابن جرير في جامع البيان (٣/ ج ٣/ ٤١) عن الضحاك في قوله {فأماته الله مائة عام ثم بعثه} فنظر إلى حماره قائما وإلى طعامه وشرابه لم يتسنه .... ..... "
وأخرجه أيضًا عن الربيع، وابن زيد. ووهب بن منبه.
(٥) انظر روح المعاني للألوسي
(٣/ ٢٣). وأخرجه الطبري في جامع البيان (٣/ ج ٣/ ٤٠ - ٤١) عن السدي قال: ثم إن الله أحيا عزيرا، فقال كم لبثت؟ قال: لبثت يوما أو بعض يوم، قال: بل لبتت مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك قد هلك، وبليت عظامه وانظر إلى عظامه كيف ننشزها، ثم نكسوها لحما، فبعث الله ريحا، فجاءت بعظام الحمار من كل سهل وجبل ذهبت به الطير والسباع، فاجتمعت فركب بعضها في بعض وهو ينظر، فصار حمارا ... ".
وكذلك أخرجه ابن جرير في جامع البيان (٣ ج ٣/ ٤٠) عن ابن جريج ومجاهد.
قال ابن جرير الطبري في " جامع البيان " (٣/ ج ٣/ ٤٢): وأولى الأقوال في هذه الآية بالصواب قول من قال: إن الله تعالى ذكره بعث قائل {أنى يحيى هذه الله بعد موتها} من مماته، ثم أراه نظير ما استنكر من إحياء الله القرية التي مر بها بعد مماتها عيانا من نفسه وطعامه وحماره فجعل تعالى ذكره ما أراه من إحيائه نفسه وحماره مثلا لما استنكر من إحيائه أهل القرية التي مر ها خاوية على عروشها، وجعل ما أراه من العبرة في طعامه وشرابه عبرة له وحجة عليه في كيفية إحيائه منازل القرية وجناها، وذلك هو معنى قول مجاهد الذي ذكرناه قبل.
وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية، لأن قوله {وانظر إلى العظام} إنما هو. بمعنى: وانظر إلى العظام التي تراها ببصرك كيف ننشزها ثم نكسوها لحما، وقد كان حماره أدركه من البلى في قول أهل التأويل جميعا نظير الذي لحق عظام من خوطب هذا الخطاب، لفم يمكن صرف قوله {وانظر إلى العظام} إلى أنه أمر له بالنظر إلى عظام الحمار دون عظام المأمور بالنظر إليها، ولا إلى أنه أمر له بالنظر إلى عظام نفسه عون عظام الحمار.
وإذا كان ذلك كذلك، وكان البلى قد لحق عظامه وعظام حماره، كان الأولى بالتأويل أن يكون الأمر بالنظر إلى كل ما أدركه طرفه مما قد كان البلى لحقه لأن الله تعالى ذكره وجعل جميع دلك عليه حجة وله برة وعظة.