للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالسَّمِيعِ، وَلَا فِي/ الْخُلُقِ كَالشُّجَاعِ وَالْجَبَانِ، وَالْجَوَادِ وَالْبَخِيلِ، وَلَا فِيمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي هُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهَا.

وَإِنَّمَا الْمُرَادُ اخْتِلَافٌ آخَرُ، وَهُوَ الِاخْتِلَافُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ لِيَحْكُمُوا فِيهِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى/: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً/ وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} (١)، وَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي الْآرَاءِ وَالنِّحَلِ وَالْأَدْيَانِ وَالْمُعْتَقَدَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا يَسْعَدُ الْإِنْسَانُ بِهِ أَوْ يَشْقَى في الآخرة والدنيا.

هَذَا هُوَ/ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَ فيها الاختلاف الحاصل بين الخلق، (إلا) (٢) أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ الْوَاقِعَ بَيْنَهُمْ عَلَى أَوْجُهٍ:

/أَحَدُهَا: الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ النِّحْلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، مِنْهُمْ عَطَاءٌ قَالَ: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (قَالَ) (٣): "الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ، وَالْحَنِيفِيَّةُ، وَهُمُ الَّذِينَ رَحِمَ رَبُّكَ (الْحَنِيفِيَّةُ) " (٤). خرَّجه ابْنُ وَهْبٍ (٥).

/وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِبَادِيِ الرَّأْيِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ.

وَأَصْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ هُوَ فِي التَّوْحِيدِ وَالتَّوَجُّهُ لِلْوَاحِدِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ النَّاسَ فِي عَامَّةِ الْأَمْرِ لَمْ يَخْتَلِفُوا (فِي) (٦) أَنَّ لَهُمْ مدبَّراً يدبِّرهم، وَخَالِقًا أَوَجَدَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِهِ عَلَى آرَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْ قَائِلٍ بِالِاثْنَيْنِ أو


(١) سورة البقرة: الآية (٢١٣).
(٢) ما بين القوسين ساقط من (ط).
(٣) في (ط) و (خ): "قال ـ قال".
(٤) ما بين القوسين ساقط من (ت). والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (١١٢٨٨)، وابن جرير في تفسيره (١٥ ٥٣١ ـ ٥٣٢)، برقم (١٨٧٠٠ و١٨٧٠١)، ولم أجد الأثر في الجزء المطبوع من جامع ابن وهب ـ وهو في مجلدين ـ وتوجد منه قطعة مخطوطة، لكني لم أجد الأثر فيه، وباقي كتاب الجامع في حكم المفقود.
(٥) هو: عبد الله بن وهب بن مسلم المصري، ولد سنة ١٢٥هـ. ومات سنة ١٩٧هـ، وهو إمام ثقة، وله عدة كتب منها الجامع، وهو الذي يكثر الشاطبي من النقل عنه انظر: طبقات ابن سعد (٧ ٥١٨)، والتاريخ الكبير (٥ ٢١٨)، والسير (٩ ٢٢٣).
(٦) في (م): "من".