للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ خُتِمَ الْكِتَابُ بِحُكْمِ مَسْأَلَتِهِ (١):

فَقَوْلُهُ: "فَإِنَّ (٢) السُّنَّةَ إِنَّمَا سَنَّهَا مَنْ قَدْ عَرَفَ مَا في خلافها" هو (٣) مَقْصُودُ الِاسْتِشْهَادِ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمُبْتَدِعَ قَدْ نَزَّلَ نَفْسَهُ مَنْزِلَةَ الْمُضَاهِي لِلشَّارِعِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَ الشَّرَائِعَ وَأَلْزَمَ الْخَلْقَ الْجَرْيَ عَلَى سُنَنِهَا، وَصَارَ هُوَ الْمُنْفَرِدَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَكَمَ بَيْنَ الْخَلْقِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ التَّشْرِيعُ مِنْ مُدْرَكَاتِ الْخَلْقِ لَمْ (٤) تُنَزَّلِ (٥) الشَّرَائِعُ، وَلَمْ يَبْقَ (٦) الْخِلَافُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا احْتِيجَ إلى بعث الرسل عليهم السلام.

فهذا (٧) الَّذِي ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللَّهِ قَدْ صيَّر نفسه نظيراً ومضاهياً، حَيْثُ شرَّع مَعَ الشَّارِعِ، وَفَتَحَ لِلِاخْتِلَافِ بَابًا، وَرَدَّ قَصْدَ الشَّارِعِ فِي الِانْفِرَادِ بِالتَّشْرِيعِ، وَكَفَى بذلك شراً (٨).

وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى، لِأَنَّ الْعَقْلَ (٩) إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِلشَّرْعِ، لَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا الْهَوَى وَالشَّهْوَةُ (١٠)، وَأَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَأَنَّهُ ضَلَالٌ مُبِينٌ، أَلَا تَرَى قول (١١) الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ *} (١٢)، فَحَصَرَ الْحُكْمَ فِي أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا عِنْدَهُ، وَهُوَ الْحَقُّ وَالْهَوَى، وَعَزَلَ الْعَقْلَ مُجَرَّدًا إِذْ لَا يُمْكِنُ فِي الْعَادَةِ إِلَّا ذَلِكَ.


(١) وهي مسألة القدر كما مرّ، وكما في سنن أبي داود (٤/ ٢٠٢)، تحت رقم (٤٦١٢)، وفيه كلام نفيس في هذه المسألة.
(٢) في (خ) و (ت): "من".
(٣) في جميع النسخ: "فهو" عدا (غ) و (ر).
(٤) ساقطة من (م) و (خ).
(٥) في (م) و (خ): "تزل".
(٦) في (ر): "يقع".
(٧) في جميع النسخ: "هذا"، والمثبت من (غ) و (ر).
(٨) ساقطة من جميع النسخ عدا (غ) و (ر).
(٩) في (ت): "العقلل".
(١٠) في (م) و (خ): "الشهوى".
(١١) في (ر): "إلى قول".
(١٢) سورة ص، آية (٢٦).