للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجهت النصارى ما يزيد على قرنين، مع إحاطة العدو بها، ومع بعدها عن ديار المسلمين.

وكان من حسنات هذه الدولة إيواؤها للمسلمين الذين كانت تسقط مدنهم في أيدي النصارى.

وقد كان للعلماء دور هام في الساحة السياسية، ويبرز ذلك في توعيتهم للناس، وتحذيرهم من هذا العدو، وتحريك حمياتهم. قال في أزهار الرياض: "لما تقلص الإسلام بالجزيرة، واسترد الكفار أكثر أمصارها وقراها على وجه العنوة والصلح والاستسلام، لم يزل العلماء والكتاب والوزراء يحركون حميات ذوي البصائر والأبصار، ويستنهضون عزماتهم في كل الأمصار" (١).

ولم يقتصر علماء الأندلس على الجهاد باللسان والقلم، بل شاركوا بأنفسهم في المعارك ضد النصارى، ومن ذلك معركة طريف (٢) وغيرها.

وقد عاصر الإمام الشاطبي رحمه الله ما يقارب أربعة ملوك من ملوك هذه الدولة بداية من السلطان أبي الوليد إسماعل بن فرج ٧٢٢ - ٧٢٥ هـ، ونهاية بمحمد بن يوسف بن إسماعيل ٧٥٥ - ٧٩٣ هـ.

ولا يظهر من ترجمة الإمام الشاطبي أنه كان ذا عناية بما يدور في الواقع السياسي، وإنما كان شغله العلم والتعليم، والدعوة إلى السنة والنهي عن البدع، والاجتهاد في الإصلاح. ولا شك أن ذلك من أعظم أسباب قيام الدول وبقائها.


(١) "أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض" للمقري (١/ ٦٣).
(٢) هي موقعة وقعت بين المسلمين والنصارى في الأندلس سنة (٧٤١ هـ)، وقد استشهد في هذه المعركة عدد كبير من العلماء، وقد انتصر المسلمون فيها. انظر: "الإحاطة في أخبار غرناطة" (٤/ ٣٣٢)، "نفح الطيب" (٥/ ١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>